"الدراية الإعلامية".. سعي لتعزيز الوعي الرقمي ومكافحة التضليل
الغد-محمد الكيالي
تركز الإستراتيجية الوطنية الثانية للدراية الإعلامية والمعلوماتية للأعوام 2026–2029 التي أقرها مجلس الوزراء أول من أمس، على بناء مجتمع واعٍ رقميا ومعلوماتيا، قادر على التفاعل المسؤول مع الإعلام والمعلومات، بما يعزز الثقة العامة ويكرس مبادئ الشمول والمرونة في العصر الرقمي.
وتأتي هذه الخطوة استمرارا للجهود الوطنية بمواجهة الأخبار المضللة والإشاعات وخطاب الكراهية، وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” ومعهد الإعلام الأردني.
وتهدف الإستراتيجية لنقل الأردن إلى المستوى الرابع والأعلى في تصنيف “اليونسكو” لتطور الدراية الإعلامية، وربطها بمحاور مشروع التحديث الوطني السياسي والاقتصادي والإداري، ما يعزز مكانة الأردن كدولة رائدة في المنطقة والعالم.
وتتضمن الإستراتيجية 6 مجالات عمل رئيسة، يبدأ أولها: الحوكمة عبر جعل وزارة الاتصال الحكومي الجهة المرجعية، وتشكيل فريق وطني وشبكة شركاء من المؤسسات والمجتمع المدني، إلى جانب دراسة إنشاء مركز أردني متخصص وإدماج مفاهيم الدراية الإعلامية في السياسات الوطنية.
وفي بناء القدرات، تركز الإستراتيجية على تطوير برامج تدريبية نوعية تستهدف مختلف فئات المجتمع وخاصة الشباب، في مجالات مكافحة التضليل الإعلامي والتحقق من المعلومات وخطاب الكراهية.
ما على مستوى التعليم، فيتم استكمال إدماج المفاهيم في المناهج المدرسية والجامعية، وتوسيع تدريب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس، وتشجيع إنشاء أندية طلابية متخصصة. كما تسعى الإستراتيجية لتعزيز التوعية والتعلم المستمر عبر منصة وطنية رقمية، وتمكين دور الإعلام والمجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والشبابية في نشر المعرفة. وتدعم أيضا تطوير نماذج مدن للدراية الإعلامية والمعلوماتية، تمهيدا لانضمامها إلى الشبكات العالمية.
وفي جانب التمويل، تعتمد الإستراتيجية نموذجا مستداما يدمج الموارد الحكومية والوطنية والدولية لضمان تنفيذ برامجها على المدى الطويل.
وفي تصريحات سابقة، أكد أمين عام وزارة الاتصال د. زيد النوايسة أن الدراية الإعلامية، أصبحت ضرورة ملحّة في عصر الثورة الرقمية، لمواجهة التضليل وخطاب الكراهية والمحتوى الخادع.
وبيّن النوايسة، أن هذا المفهوم بات يحظى بوعي عالمي متزايد، بخاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي الذي جعل التحقق من صحة المحتوى أكثر تعقيداً، مشيراً إلى أن أسبوع الدراية الإعلامية الذي تنظمه “اليونسكو” سنوياً، يعكس أهمية التعامل الواعي والمسؤول مع المعلومات.
وأشار إلى أن الأردن بدأ مبكراً بإدماج هذا المفهوم منذ عام 2013، قبل أن يأخذ شكله المؤسسي عبر الخطة الإستراتيجية الأولى (2020–2023)، التي تضمنت دمجه في المناهج التعليمية وبرامج التدريب.
ولفت إلى انتقال الملف إلى وزارة الاتصال عام 2022، التي قادته بالشراكة مع معهد الإعلام الأردني وصندوق الحسين للإبداع وعدة مؤسسات، ما ساهم بتدريب آلاف الشباب والمعلمين، وتشكيل فريق وطني يضم وزارات التعليم والثقافة والشباب.
وأكد النوايسة، أن الأردن أنهى المرحلة الثالثة من مستويات “اليونسكو” لتطوير الدراية الإعلامية والمستوى الرابع عبر الإستراتيجية الوطنية الثانية (2026-2029) التي تشمل إطلاق مدن للدراية الإعلامية في مختلف المناطق.
المستشارة الإعلامية بيان التل أكدت، أن فريقها يعمل على إدماج مفاهيم التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، مشيرة إلى أن هذه العملية مستمرة، وأن الكتب الجديدة ستتضمن محتوى محدثا يعكس هذا التوجه. موضحة أن إدماج هذه المفاهيم ليس نهائيا بل قابل للتطوير والتعديل، بما يتناسب مع التحولات المتسارعة في المشهد الإعلامي، خصوصا مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المباشر على هذا القطاع.
وشددت التل، على أهمية مواصلة تحديث المواد التعليمية وإثرائها، والتزام وزارة التربية بتدريب المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية بالجامعات، معتبرة بأن هذا التدريب، الضمانة الأساسية لاستمرارية المشروع ونجاحه، مضيفة بأن دمج التربية الإعلامية في المدارس والجامعات، هو ما يميز الأردن، الذي استطاع أن يحقق خطوات متقدمة مقارنة بدول عربية وأخرى أجنبية ما تزال متأخرة في هذا المجال.
وبينت أن السنوات الأربع الماضية وضعت أساسا متينا، يمكن البناء عليه، داعية لتكثيف برامج تدريب المعلمين وتوسيع نطاقها، لتشمل الجامعات، بما يرسخ مهارات أساسية مثل التحقق من المعلومات، الإنتاج الإعلامي، والتفكير النقدي. معتبرة أن هذه المهارات، تمثل جوهر التربية الإعلامية، وأن الالتزام بها ضرورة لضمان استمرارية المشروع.
وأشارت إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام محليا، تتمثل في ضعف التحقق من المعلومات، ما يؤدي إلى أخطاء تؤثر على مصداقية المؤسسات الإعلامية. مؤكدة أن وجود وحدات متخصصة للتحقق داخل المؤسسات الصحفية أصبح أمرا ملحا، على غرار ما هو معمول به في الصحف الغربية المتقدمة، بحيث يشكل ذلك ركيزة أساسية للحفاظ على ثقة الجمهور. مشددة على أن مسؤولية الدولة تكمن في ضمان وصول الإعلام الرقمي إلى مختلف شرائح المجتمع، باعتباره حقا أساسيا وشرطا لتحقيق العدالة المعرفية.
من جانبه، أكد الخبير في الدراية الإعلامية عبدالله الكفاوين، أن مواجهة خطاب الكراهية والأخبار المضللة، تستند إلى محاور أساسية تشكل جوهر مفهوم “الدراية الإعلامية والمعلوماتية”. موضحا أن هذه المحاور تبدأ بتمكين الأفراد من الوصول الآمن والدقيق للمعلومات والأخبار، ثم الانتقال إلى مرحلة تحليلها بصورة منهجية، وصولا إلى التفكير النقدي الذي يتيح التعامل مع المحتوى بوعي ومسؤولية.
وأضاف أن الجمع بين هذه العناصر الثلاثة، يفضي تلقائيا للحد من انتشار الشائعات ومكافحة خطاب الكراهية، بحيث يصبح الفرد قادرا على التمييز بين الصحيح والمضلل، ومساءلة ما يُطرح أمامه بوعي مقصود. مشيرا إلى أن الإستراتيجية الوطنية تعتمد على أدوات عملية أبرزها تعزيز الوعي، معتبرا أن غياب الوعي بأساسيات الوصول إلى المعلومات وتعدد مصادرها وطريقة تحليلها هو السبب الرئيس وراء الكثير من الممارسات الخاطئة.
وشدد الكفاوين، على عدم التعامل مع أي معلومة باعتبارها مسلمة، مهما كان مصدرها، بل إخضاعها للتفكير النقدي قبل الانتقال إلى مرحلتي الإنتاج والمشاركة، وهو ما يسهم في بناء مواطن رقمي فاعل ومسؤول يخدم المجتمع.
وبين أن إدماج مفاهيم الدراية الإعلامية في التعليم والسياسات الوطنية يشكل ركيزة أساسية، بحيث تسعى الإستراتيجية إلى أن تصبح هذه المفاهيم جزءا من الحياة اليومية وأن تُدمج في عمل الوزارات والمؤسسات والدوائر كافة، بما يعزز المواطنة الرقمية السليمة ويرفع من مؤشرات الأردن في التصنيفات الدولية والعربية، ومنها مؤشرات “اليونسكو”.
ولفت الكفاوين، إلى أن الأردن لم يكن أول دولة تبدأ بهذا المسار، “لكنه اليوم حقق تقدما ملحوظا، خاصة بعد إدخال هذه المفاهيم في المدارس، وبدء الجامعات بتدريسها ضمن مساقات أكاديمية متخصصة”. مؤكدا أن الإستراتيجية الثانية جاءت استكمالا للأولى إذ جرى البناء على ما تحقق من إنجازات ومراجعة ما لم يُنجز، للوصول إلى مؤشرات ملموسة على أرض الواقع.