عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Oct-2021

عن مقالة الضمّ البوليسية في “فورين بوليسي”!*باسم سكجها

 عمون 

إذا كان مُقدّراً لضفتّي النهر أن تعودا كياناً واحداً، فإنّ ذلك بالتأكيد لن يكون لسبب مقال، كتبه شخص في أيّ صحيفة في العالم، كبرت أو صغرت، ولكنّه سيكون نتيجة نتاج تاريخ حقيقي، عنوانه: وحدة النضال ضدّ إسرائيل…
 
في ذلك “الحلّ التاريخي” الذي طرحه أحدهم، تصغير لفلسطين إلى الدرجة القُصوى التي تتمناها إسرائيل، وهو تقليص للأردن ليصبح ذلك المستودع الذي يضمّ “مكوّنات” متناثرة من الغرب والشمال والشرق، وربّما غيرها، في مكوّن جديد عنوانه القبول بإسرائيل…
 
وكما كتب ذلك “الكاتب” بأنّه أردني من أصل فلسطيني، فأنا أتفوّق عليه بأنّني من مواليد القُدس، ويتحدّث عنّي جواز السفر بأنّني مقدسي من رعايا المملكة الأردنية الهاشمية، وإذا كان للتاريخ أن يتحدّث أكثر فوالدي وجدي جاءا من يافا، وهي التي لا يأخذها “الكاتب” في اعتباره…
 
يتحدّث “الكاتب” في مقالته “الفورين بوليسي” عن أنّ ما بين ستين إلى سبعين بالمائة من الأردنيين من أصل فلسطيني، وهذا ما كان للمطبوعة أن تمرّ عليه مرور الكرام، فهو ليس صحيحاً، ولا يقترب من الدقّة بمكان، ويحمل الكثير من أجندات سياسية للآخرين، وفيه استقواء مبطّن، غريب، ومريب، ومؤسف…
 
كتبتُ كثيراً، منذ فكّ الارتباط، أنّني ضدّه، وكان هناك من اتّهمني بالاقليمية، ولكنّ مياها كثيرة مرّت منذها تحت ذلك الجسر، وفي ذلك النهر، وها أنا أعلن بأنّ ذلك الزمان ليس هذا الزمان، فأنا مع إعادة الارتباط ولكن ليس بمثل هذه الطريقة القبيحة…
 
كنّا ثلاثة صحافيين من أردنيين من أصل فلسطيني، لميس أندوني وحمادة الفراعنة وأنا، فحضرت معهم في بغداد إجتماعاً للجنة المركزية لمنظمة التحرير، ضمّ كلّ الفصائل، لمناقشة قرار فكّ الارتباط، وكانت مناقشات حادّة في ما سيكون بعده، ولكنّ أبا عمّار كان مرتاحاً، لأنّ ذلك في تقديري ما أراد…
 
أمّا في الأردن، فقد كنتُ متابعاً، وحاضراً، مع كلّ ما يجري، وفي حقيقة الأمر فقد تكوّن لديّ إنطباع بأنّ الشعار الذي أطلق حينها:”الإبتعاد من أجل الاقتراب” حقيقي، ولا تصل المسألة إلى كسر العظم، ولكنّ التداعيات غلبت القرار، وصار ما صار!
 
وتلك أيام، وهذه أيام…
 
والطريف أنّ “الكاتب” يستخدم تعبير “الضمّ” وهو مصطلح غير صحيح لا سياسياً ولا تاريخياً، فقد حضر مؤتمر أريحا ممثلون معتبرون للمجتمع الفلسطيني، وبينهم الراحل عبد الله الريماوي مع العشرات، وقبله العشرات من رموز الأردنيين ممّن حضروا مؤتمر وطني في قاعة سينما دنيا، على ضفاف سيل عمّان، وقرّر الجميع، هنا وهناك، خيار الوحدة…
 
المسألة لم تكن ضمّاً، إذن، بل وحدة بين ضفتي النهر، وهذه معلومة لا تعرفها الغالبية الغالبة من ناسنا، وكانت على أساس استرجاع فلسطين، بدءاً من دولة الوحدة: المملكة الأردنية الهاشمية، التي تضمّ جانبي النهر الحبيب…
 
صحيح أنّ الدنيا تغيّرت، وأنّه صار هناك سلطة فلسطينية، وصلت إلى فشل ذريع في التعامل مع واقع الاحتلال، وضاع مع وجودها أكثر مما ضاع حتى مع النكبة الكبرى، ولكنّ حقيقة الجغرافيا لم تتغيّر، ولن تتغيّر، وإذا كان لي أن أتذكّر مع ما بعد أوسلو بقليل أنّه كان هناك مفاوضات حول العملة التي ستستخدم في مناطق السلطة الناشئة، التي ستتحوّل إلى دولة!
 
كان المطروح فلسطينياً الجنيه الفلسطيني، وهذا يتطلّب إجراءات سيادية من بنك مركزي وتغطية ذهب وعملات وهذا لم يكن ممكناً عملياً وواقعياً، فلم يكن هناك سوى حلّين: الشيكل الاسرائيلي والدينار الأردني، ويؤسفني أن أبوح بمعلومات الآن أنّ قيادات السلطة الطرية العود فضّلت الشيكل على الدينار، مع أنّ الأردنيين كانوا أصلاً وقبل تأسيس البنك المركزي يتعاملون بالجنيه الفلسطيني!
 
كتب الأستاذ المحامي زيد عمر النابلسي ردّاً على تلك المقالة القبيحة، في “فورين بوليسي” نفسها، تحت عنوان :”الأردن ليس فلسطين”، وأضمّ كلماته إلى مقالتي، فقد كان محقّاً، وراقياً في انتقاء الكلمات، وإذا كان هذا الموضوع يحمل شكلاً من الحساسية، فعليه ألاّ يكون مسألة للتحسّب، فمن قاله لا يملك أدنى فكر، أو تجربة، أو مصداقية، لطرحه أصلاً..
 
يبقى، أنّني كأردني من أصل فلسطيني، أخجل أن يكون هناك طرح مثل هذا ممّن يعتبر نفسه أردنياً من أصل فلسطيني، وأتطلع إلى عائلتي المقربة والكبيرة، فأجد أنّ النسب والدماء تجاوز ذلك منذ زمن، فكيف لنا أن نقبل أن يُقدّم لنا واحد احصاءات مرتجلة، مريبة، وخططاً تقترب من المؤامرة.
 
ويبقى أخيراً أنّ المقالة تلك في “فورين بوليسي” لا تحمل إلاّ فكراً بوليسياً يريد أن يستبدل، ويورّط، ويصدّر المشاكل، ويجعل من إسرائيل آمنة مطمئنة، والأردن في أزمة، وللحديث بقية!