عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Aug-2020

كيف يواجه الأردن تحدياته في الموازنة بين نظام ديمقراطي وواقع ديمغرافي؟ - بقلم: عوديد عيران

 

دخل الأردن أزمة كورونا في شروط بداية سيئة. فقد دفعت الحرب في سوريا نحو 1.4 مليون سوري لإيجاد ملجأ في الأردن، ففاقموا المشاكل الاقتصادية التي حلت بالمملكة قبل ذلك، وعلى رأسها البطالة. كما أن أسعار النفط التي كانت قبل 2020 في هبوط، مست بقدرة الأردن على تجنيد المنح من دول الخليج. وفي المفاوضات التي أجراها الأردن في 2019 مع صندوق النقد الدولي على قروض بعيدة المدى، طُلب منه إجراء إصلاحات مالية، مما جر انتقاداً شديداً من جهات مختلفة في الأردن؛ لأن الاستجابة لها تهدد مصالحهم. وفي أيلول 2019 تظاهر آلاف المعلمين والمعلمات في أرجاء الأردن ضد المس برواتبهم، فمنعوا بذلك بدء السنة الدراسية. وبعد مفاوضات طويلة، استسلمت الحكومة لمعظم مطالبهم.
 
يستحق تصرف النظام في الأردن تجاه معالجة الجوانب المختلفة لوباء كورونا علامة تقدير عالية، ولا سيما على خلفية المعطيات الأولية. فقد سمح الملك عبد الله الثاني للحكومة، ولا سيما للوزراء المختصين، بإدارة الأزمة، فحرصوا هم أيضاً على الاتصال الدائم بين الحكم والمواطن في كل ما يتعلق بتعليمات السلوك، ومعلومات انتشار المرض، وخطوات المساعدة الاقتصادية. وكانت لحظات ظهور الملك في وسائل الإعلام محدودة ومقنونة، واستهدفت عرضه كشخصية ترص الصفوف وليس كمن يعنى بالتفاصيل. وفي تقسيم العمل غير المكتوب بينه وبين الحكومة، أخذ الملك على عاتقه دور تجنيد أموال المساعدة الخارجية. وبالفعل، فإن الأعداد المتدنية جداً من الموتى والمصابين مباشرة بفيروس كورونا (11 ميتاً حتى الآن) تعزى أساساً للتصرف السريع من جانب النظام، لإجراءات الطوارئ التي اتخذها، ولفرض التعليمات بلا هوادة، بما في ذلك في المساجد. كما ينبغي الإشارة إلى أن جزءاً مهماً من حالات المرضى هي في أوساط المواطنين الأجانب، بمن فيهم سائقو الشاحنات من سوريا والسعودية.
 
اضطرت الحكومة الأردنية إلى زيادة العجز في الميزانية كي تقلص الضرر على قطاعات حيوية، وعلى العاملين ولا سيما العاملين المؤقتين.
 
مثل حكومات أخرى، اضطرت الحكومة الأردنية إلى زيادة العجز في الميزانية كي تقلص الضرر على قطاعات حيوية، وعلى العاملين ولا سيما العاملين المؤقتين. حتى السنوات الأخيرة، نجح الأردن في الإبقاء على نسبة دين الإنتاج المحلي الخام معقولة وأدنى من 80 في المئة، تمتع بالقروض من مؤسسات مالية دولية، وبالمداخيل من الفروع الاقتصادية ولا سيما السياحة (10 في المئة من الناتج المحلي الخام، وتصدير الفوسفات وتحويلات الأردنيين العاملين في الخارج). وساعدت منح من دول الخليج تصدي الأردن للضائقة الاقتصادية الدائمة منذ وصول اللاجئين من سوريا. غير أن أزمة كورونا دفعت الكثير من العاملين في الخارج للعودة إلى الأردن، وشل فرع السياحة، كما سجل في أسعار النفط انخفاض ساحق (تأثر -ضمن أمور أخرى- من غياب التوافق بين روسيا والسعودية على طريق التصدي لتقلص الطلب عقب الوباء العالمي). وأثر هبوط أسعار النفط والغاز في قدرة واستعداد الدول المنتجة على مساعدة الدول العربية الأخرى، بما فيها الأردن.
 
ومع ذلك، رغم التوقع بنمو اقتصادي سلبي في 2020، بمعدل 3.7 في المئة فقط، أعربت المنظومة المالية عن الثقة بالإدارة الاقتصادية للأردن. ففضلاً عن قرض طويل السنين بمبلغ 1.3 مليار دولار، قدم الصندوق النقد الدولي قرضاً آخر بمواجهة تداعيات كورونا بمبلغ 396 مليون دولار. إضافة إلى ذلك، حظي اكتتاب سندات دين أصدرتها الحكومة الأردنية بطلب زائد بمعدل فائدة معقولة (4.95 في المئة لخمس سنوات، 5.85 في المئة لعشر سنوات).
 
مع إقامة حكومة جديدة في إسرائيل في 17 أيار 2020، وتبعاً لما ورد في الاتفاق بين حزبي الليكود و”أزرق أبيض” في 23 نيسان -الذي سمح لرئيس الوزراء بأن يطرح إقرار الحكومة أو الكنيست، ابتداء من الأول من تموز من هذا العام، التوافق بين إسرائيل والولايات المتحدة على بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق يهودا والسامرة، دخل الأردن إلى معركة سياسية غايتها منع الخطوة. إن أصل أكثر من نصف مواطني الأردن هو فلسطينيون، وكل خطوة ضم إسرائيلية كانت ستثير موجات احتجاج، ولا سيما إذا لم يقف الملك ويعمل ضد الخطوة. وفي هذا الموضوع أيضاً، أبدى الملك حكمة تكتيكية في إدارة المعركة في الساحة الدولية في ظل التنسيق مع السلطة الفلسطينية، نيل التقدير والامتنان اللذين كان يمكنه أن يعرضهما على مواطني الأردن الفلسطينيين. كانت “صفحة الرسائل” بسيطة وواضحة: إن الضم بأي حجم وبأي جزء من الضفة الغربية سينهي حل الدولتين، وهو الحل الذي قبلته كل الأسرة الدولية، كما سيؤدي الضم إلى تقويض الأمن والسلام في المنطقة وسيعظم مشاكلها. إسرائيل والولايات المتحدة لم تذكرا تقريباً في صفحة الرسائل. والملك ووزير الخارجية الأردني، وهما الوحيدان اللذان أدارا المعركة، التزم بها. رئيس وزراء الأردن، عمر الرزاز، في تصريح استثنائي (“الغارديان” 21 تموز) أضاف إلى الصيغة الرسمية رسالة تفيد بأن موت حل الدولتين سيؤدي إلى دولة أبرتهايد، ولكن إذا كانت إسرائيل مستعدة لدولة ديمقراطية واحدة يتمتع بها المواطنون العرب بالمساواة الكاملة بالحقوق، يمكن للأردن أن يتعاطى “مع” بإيجابية. وحتى الآن لم يرفع إلى الحكومة أو الكنيست إقرار مشروع ضم محدد، وهذا يساعد الملك على نيل نقاط الاستحقاق في الساحة الفلسطينية على جانبي نهر الأردن، في الدول العربية وفي الساحة الدولية، التي أعرب معظمها، إن لم يكن كلها، عن معارضتها لخطوة الضم.
 
على خلفية هذا السجل الحافل، يبدو القرار لاستيفاء مطالب القانون وإجراء الانتخابات للبرلمان في 10 تشرين الثاني، عديم المخاطر الكبيرة. وأشارت استطلاعات الرأي العام إلى تأييد ملموس لوزراء محددين، بينهم وزير الصحة. لم يعمل البرلمان المنصرف كختم تلقائي للنظام، ولكن باستثناء بعض المواضيع، ومنها الإصلاحات التي طالبها بها صندوق النقد الدولي أو صفقة شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل، فقد اتخذ جانب الحذر من اجتياز الخط والصدام مع الملك وإجباره على حل البرلمان. في أثناء أزمة كورونا، انتقل معظم النشاط إلى السلطة التنفيذية، بينما كان رئيس المجلس النيابي يحقق عناوين رئيسة في الصحف بالنسبة لنية الضم الإسرائيلية.
 
كان يبدو أن انتخابات تشرين الثاني 2020 لن تغير ميزان القوى جوهرياً بين الملك وحكومته من جهة، والبرلمان من جهة أخرى، غير أن النظام اخذ في تموز خطوتين تثيران السؤال إذا ما كان النظام يشكك في تأثير إنجازاته على الناخب، وعليه.. فهو يضطر إلى وسائل تمس بالصورة المتنورة والمسؤولة التي عمل الملك على بنائها. في 16 حزيران أمرت المحكمة العليا بحل “حركة الإخوان المسلمين في الأردن”. إن الدوافع السياسية والقانونية لهذه الخطوة ليست واضحة. فمنذ نشوب “الربيع العربي” أخرجت الحركة عن القانون، وأغلقت مكاتبها، وهي نفسها قررت عدم التنافس في الانتخابات السابقة باسمها. أما الخطوة الأخرى، التي بدت كاسحة وتعسفية، فكانت اعتقال كل أعضاء اللجنة الإدارية لاتحاد المعلمين في الأردن في 25 حزيران وإغلاق المكتب الرئيس في عمان، إلى جانب 11 فرعاً آخر في أرجاء الدولة. ومنع المدعي العام نشر أنباء في هذا الشأن، وفي الغداة أعلن وزير التعليم عن تعيين لجنة مؤقتة. المنظمتان، في نظر النظام، تتعاونان: هكذا مثلاً، ادعى وزير الداخلية أن ممثلين عن الحزبين (لم يذكرهما بالاسم) شاركوا في مظاهرات احتجاج المعلمين التي جرت مطلع آب في مدينة الكرك،.
 
إن الخطوات التي اتخذت ضد “الإخوان المسلمين” واتحاد المعلمين، تشير إلى أن النظام سيعارض كل تغيير في قواعد اللعب وميزان القوى السياسي – الدستوري القائم. لإن بعض من الأحزاب، ومنها جبهة العمل الإسلامي، مصلحة في زيادة عدد أعضاء البرلمان المنتخبين على أساس قطري على حساب أعضاء في البرلمان يمثلون المناطق الانتخابية، وذلك كي لا تخسر الأصوات في هذه المناطق أمام مرشحين محليين يتمتعون بتأييد عشائري. في البرلمان المنصرف، كان الحزب الأكبر هو جبهة العمل الإسلامي التي تمثل الإخوان المسلمين. وينبغي الافتراض بأن هذا الحزب كان سيكسب من زيادة عدد المنتخبين على أساس القوائم القطرية. وتتعاون الجبهة مع أحزاب صغيرة تخلق معاً ائتلافاً للإصلاح، فيه 15 نائباً في البرلمان، 10 منهم أعضاء في جبهة العمل الإسلامي. ويخشى النظام من أن تزيد الضائقة الاقتصادية التأييد لمرشحي الأحزاب التي يتشكل منها هذا الائتلاف، ولهذا يسعى إلى منع البحث في تغيير طريقة الانتخابات.
 
في ضوء الزمن القصير المتبقي حتى الانتخابات، إضافة إلى قدرة النظام على اتخاذ خطوات إدارية في ظل وباء كورونا للتشويش على الأعمال التنظيمية (مثل منع الحركة بين المناطق) وإنهاء ولاية البرلمان، فإن احتمال التغيير صفري. سيسعى النظام للوصول إلى موعد الانتخابات مع الصورة الإيجابية التي بناها في الأشهر الأخيرة، وعليه فمعقول أن يحاول تسوية العلاقات مع اتحاد المعلمين، وإن كان أيضاً كي يمنع استئناف أحداث 2019.
 
إذا امتنعت إسرائيل عن خطوات الضم في يهودا والسامرة، فبعد انتخاب رئيس ديمقراطي في الولايات المتحدة ربما سيقل عائق محتمل واحد من جملة التحديات التي يقف أمامها النظام الأردني، وتزداد فرصه باجتياز انتخابات 2020 بنجاح. ومع ذلك، على مدى الزمن، سيتعين عليه أن يبقى متصدياً للتحديات التي مصدرها التوتر بين الرغبة في العمل على وجود نظام متنور وديمقراطي وبين الواقع الديمغرافي، الذي ليس لمؤسسي المملكة فيه أغلبية، والضائقة الاقتصادية التي لا تبشر بالتفاؤل.
 
 نظرة عليا 
القدس العربي