عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Feb-2020

ما لم يُتح لـ”نجيب محفوظ” - إبراهيم جابر إبراهيم

 

الغد- “أن ترغب في مقابلة مؤلف لأنك تحب أعماله يُشبه أن ترغب في مقابلة بطة لأنك أحببت لحمها المفروم المتبَّل”.
(مارجريت آتوود)
كانت الكتابة مثل عالَمٍ سحريٍ مُلوَّن. وكذلك الكاتب!
رغم تلك الآلام العظيمة التي تجشَّمها بعض الكُتّاب، في الحياة، والتي صنعت أدباً مَلحمياً، لكن صورتهم دائماً ما كانت “سينمائية” في عين القارئ.
القارئ الذي كان يُنهك عينه المتلصّصة ليرى كاتبه ولو مرة واحدة من دون ربطة عنقه، أو أن يراه يُمسك كوباً من الشاي!
لكن العالم يندفع الآن بحماسةٍ غريبةٍ لإعادة تسمية الأشياء، وتفكيك المُسلّمات من دون أي تردد؛ ومن ذلك “العلاقة بين الكاتب والجمهور”، التي بدأت حدودها تختفي، حتى باتت كآثار “الطباشير البيضاء”!
هذه الحدود التي تم ترسيمها بصرامةٍ بالغة، واعتناء شديد، في القرن الماضي، حين كان نجيب محفوظ كأنّه تحت حراسة مشدَّدة في كوكب آخر، ولم نكن نتخيَّل أن إحسان
عبد القدوس بدوره كائن حيّ يمكن السلام عليه باليد!
حتى بدا الكاتب للقارئ آنذاك وكأنه عالمٌ مُطَلسم يحتاج دخوله الى أعجوبةٍ ما، فجرى التعامل معه بتوقيرٍ مفرط، فضلاً عن توقير فكرة الكتابة ذاتها!
في العقد الأخير، تم تحطيم هذه العزلة تماماً، ضمن أصنامٍ وأيقوناتٍ كثيرةٍ جرى انتهاك حصانتها، ودخل القارئ بيت الكاتب وعاثَ فيه كَشفاً، وبَحلقةً، حتى لم تعد هناك توريةٌ تنفع أو مجازٌ يقي!
صار متاحاً للقارئ والكاتب أن يلتقيا في زقاق الكتروني، أو مقهى على “الانترنت”، فيدخل القارئ لمناقشة كاتبه فيما كتب، ويضع فكرته، أو انتقاده، أو حتى شتيمته، .. وهو يرى كاتبه أمامه يحاول الدفاع عن نفسه!
خسر الكاتب صورته الطوباوية المحتشدة بالرمزية، وبدا مثل ربّ بيتٍ يستقبل ضيوفه بالبيجاما، ولم تعد تلك الصورة الافتراضية التي يقضي القارئ وقتاً طويلاً في رسمها لكاتبه!
لكنّه، وبالمقابل، أتاح هذا العالم الالكتروني للكُتّاب ما لم يتح لأسلافهم، وهو فرصة “الكتابة التفاعلية”؛ الكتابة التي تنصتُ بعد كل فقرة لتسمع رأي القارىء، وتتلمس أين حفرت جيداً في وعي المتلقي، وأين أخطأته!
وهي تجربة نادرة لم يعشها آباء الكتابة، الذين كانوا يتلمسون ردود الأفعال على كتبهم بأرقام البيع، أو مقالات قليلةٍ يكتبها نقادٌ صحفيون!
الآن صار ثمة مساحة ليلتقي الكاتب والقارئ ويتناقشا ويختلفا، ويعود الكاتب بجملة انطباعات تتشكل لديه، تساعده على محاكمة نصّه، ليس بصيغةٍ تضعه موظفاً عند القارئ على قاعدة “ما يطلبه الجمهور”، ولكن بالصيغة التي تجعله عليماً بما يحدث لدى المتلقي، وأين تقع أولوياته الآن، وإلى أي حدّ تطورت آليات القراءة. لتتبعها آليات الكتابة!
ربما يكون الكاتب قد فقد الى حدٍ ما هالة الغموض المحاط بها، لكنّه حصل على عائلةٍ من القراء
الناصحين، الذين هم أبطاله في آخر الأمر!
وأرضى القارئ فضوله بمقابلة البطّة!