عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Nov-2025

حماية الجيش اللبناني* غازي العريضي

 

إحتل قرار الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي، إلغاء لقاءات كانت مقررة لقائد الجيش مع عدد من المسؤولين الأمنيين في واشنطن، حيزاً كبيراً من النقاش السياسي في لبنان وبين مسؤولين لبنانيين وأميركيين. قائد الجيش اضطر الى إلغاء زيارته وأطلق موقفاً شجاعاً وحكيماً ومسؤولاً ورصيناً بمناسبة عيد الاستقلال. ومما قاله في أمر اليوم : "... لبنان يمر اليوم بمرحلة دقيقة تعدّ الأصعب في تاريخه في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي لأراض لبنانية والاعتداءات المتكررة التي توقع شهداء وجرحى وتمنع استكمال انتشاره متسببة بدمار في الممتلكات والمنشآت. إن المؤسسة العسكرية ورغم الامكانات المحدودة، والظروف الصعبة تواصل تنفيذ خطة انتشارها جنوب الليطاني تطبيقاً لقرار الحكومة اللبنانية والتزاماً بالقرار1701 وذلك بالتنسيق الوثيق مع قوات اليونيفيل ولجنة الإشراف على قرار وقف الأعمال العدائية. هذه المرحلة تتطلب أعلى درجات الحكمة والانضباط والتأني والحزم والاحتراف بما يخدم المصلحة الوطنية والسلم الأهلي بعيداً عن أي حسابات أخرى. في موازاة ذلك يواصل الجيش مكافحة الإرهاب وملاحقة المخلين بالأمن والتصدي للاتجار بالمخدرات وضبط الحدود الشمالية الشرقية والمياه الإقليمية ومنع التهريب...".

 

 

 

ثمة أسئلة تطرح : لماذا ألغيت الزيارة؟ لماذا أصرّ الأميركيون على هذه السابقة الخطيرة وموقف الجيش واضح قبل ذلك وبعده من خلال بيان قيادته وسبق ذلك للأسف هجوم لبناني في الداخل على القيادة والجيش ودوره وعلى رئيس الجمهورية بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة؟

 

- قيل إن السبب هو استخدام قائد الجيش كلمة "العدو" في حديثه عن اسرائيل واحتلالها وعدوانها وخرقها لقرار وقف "الأعمال العدائية". هل اسرائيل صديق أم حليف أم شريك؟ ماذا تعني كلمتي "الأعمال العدائية"؟ والقرار المتعلق بهما كان برعاية أميركية ويفترض أن مشاركة أميركا في آلية المراقبة هي لمتابعة تنفيذه؟ أعمال عدائية من قبل مَن ضد مَن في الجنوب اللبناني؟ أمِن قبل سيّاح؟ أو مواطنين أجانب جاؤوا الى البلد؟ أو احتلال آخر لا تعرف هويته؟ إن قرار وقف الأعمال العدائية واضح يدعو الى وقف "الاعتداءات"، الى وقف العدوان. واسرائيل تاريخياً دولة معادية وبينها وبين لبنان اتفاقية هدنة فقط ويريدون اليوم جرّنا الى اتفاقات ابراهيمية وإسقاط كل أشكال العدوان من قبلنا، فيما تستمر هي بعدوانها واستباحتها كل شيئ على أرضنا. هل ممنوع استخدام كلمة عدو؟ هل هي حرب على عقولنا وأفكارنا وذاكرتنا وتاريخنا وسيادتنا الحقيقية واستقلالنا الحقيقي أيضاً؟ هذا تبرير وعذر أقبح من ذنوب اسرائيل كلها ومن ذنوب عدد من اللبنانيين المروّجين أفكاراً تعتبر ان اسرائيل لا تعتدي علينا بل نحن من يعتدي عليها ويتلاقى هؤلاء فكرياً وذهنياً وسياسياً مع اسرائيل عن قصد او غير قصد، باستهداف لبنان وإضعافه، وثمة من يقول علناً : "هذا ما ننتظره منذ أربعين عاماً". واسرائيل تتصرف على أساس أن "ثمة فرصة تاريخية استثنائية أمامها ولن تتكرر ولذلك ينبغي الاستفادة منها". 

 

 

 

- قيل أيضاً إن ثمة "لوبي لبناني" لديه مداخل ومسارات وعلاقات متقدمة لتسويق نظريته ومنهم من يحمّل الجيش المسؤولية علناً ويتهمونه بالتقصير في تنفيذ قرارات الحكومة المتعلقة بحصر السلاح ويسوّقون نظرياتهم في واشنطن. هذا ليس أمراً سرياً غير معروف. والمعنيون يعلنون مواقفهم وأهدافهم بوضوح. وكانوا موجودين ولا يزالون قبل إلغاء الزيارة وبعدها فماذا استجد لاتخاذ قرار الإلغاء؟ هل قدموا معلومات خطيرة جديدة تدفع بالأمور الى اتخاذ قرار استثنائي بهذا المستوى؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا إشادة عدد من المسؤولين الأميركيين قبل القرار وبعده، بجهود الدولة اللبنانية؟ نحن نتحدث عن اميركا لا نتحدث عن ولدنة وخفة في السياسة. التسرّع كان سمة في مراحل كثيرة. بل التهور كان سمة من سمات السياسة الأميركية وكتب عنه الكثير في أميركا نفسها وأعلن لاحقاً مسؤولون أميركيون متابعون للشأن اللبناني: "لا نريد تكرار تجربة الماضي". ولكن هل وصلت الأمور الى هذا الحد من الانهيار او الخضوع للسياسة الاسرائيلية واللوبي الاسرائيلي العامل الفاعل المؤثر في أميركا، وترامب وغيره حذّروا ويحذّرون من عزلة اسرائيل وضرورة العمل على مواجهة هذه الحالة غير المسبوقة؟

 

 

 

- قيل إن السبب هو ان العماد هيكل حمّل اسرائيل وحدها المسؤولية ولم يأت على ذكر حزب الله. الرجل نفسه يقود الجيش، قدّم تقاريره الى مجلس الوزراء. الأميركيون وقوات اليونيفيل يعرفون تماماً ما حصل ويحصل في الجنوب، وما هي كمية ونوعية الأسلحة والمواقع التي استلمها الجيش من الحزب. الأميركيون والفرنسيون وكل أعضاء لجنة المراقبة وفرق المتابعة يعرفون ان اسرائيل اعتدت على اليونيفيل أكثر من مرة ولم ينتقدوها. فهل هذا عمل أخلاقي مشروع أم عمل عدائي؟ اسرائيل قتلت أكثر من 370 شخصاً بعد وقف الحرب وقرار وقف الأعمال العدائية واحتلت الأرض، وبين الشهداء والضحايا أطفال ونساء وأبرياء وتمنع الناس من العودة والمقيمين من تحصيل منتوجهم الزراعي فمن يردع هذه الحالة ولا كلمة عن الإعمار؟ والجيش مستمر في اداء مهامه وفق خطة الحكومة كما قال قائده فأين الخطأ والخلل في ذلك؟ هل انتهى العمل في الجنوب؟ هل انتقلنا الى المرحلة المقبلة لنراقب ونحاسب؟ 

 

 

 

- قيل ان الجيش يرفض الدخول الى المنازل لتفتيشها. السبب هو تفاعل الناس مع الجيش؟ العلاقة الجيدة بينهما؟ فما هو المطلوب؟ أن ينقلب الجيش على الناس وأن ينتفض الناس في وجهه، ويدّعي أصحاب النظريات أنهم يريدون دولة فأي دولة تقوم بمثل هذه الحالة؟ وهل المطلوب تدمير كل شيئ لتبقى اسرائيل؟ والجيش لبى طلبات الكشف على عدد من المواقع حددها الاسرائيليون ولم يجد شيئاً، فما هو المطلوب؟ إذلال الجيش؟ وهو يعاني ما يعانيه لاسيما على مستوى العديد والإمكانات ورواتب العسكريين والمعنويات؟ فهل يرهق أكثر؟ هل فكر المنتقدون بذلك ليحمّلوا الجيش أحمالاً لا قدرة له على تحمّلها وهو يقوم بأعمال مختلفة لأول مرة منذ عقود من الزمن انطلاقاً من الحدود اللبنانية السورية الى مواجهة ومكافحة الارهاب وتصنيع المخدرات بتقنيات عالية والإتجار بها وتوقيف كبار المتورطين بذلك، مروراً بضبط الأمن والاستقرار في الداخل وصولاً الى الجنوب وهو متروك، وقد أعلنت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جنين بلاسخارت: "ان الجيش لا يستطيع وحده القيام بالمهمات المطلوبة في حصر السلاح بيد الدولة" لماذا؟ هل أعطي الإمكانات والمقدرات ولم يفعل وهو أنجز ما أنجز؟ ولماذا لم يعطَ؟ أم أن المقصود: هو غير قادر فلتكمل اسرائيل المهمة وهي تهدد بذلك وثمة في لبنان ولبنانيون في أميركا تحديداً وأميركيون يتمنون ذلك؟ أهكذا تساعد الدولة على النهوض؟ وأخيراً هل أقرّ قرار وقف الأعمال العدائية احتلال أراض لبنانية وقتل المدنيين والأبرياء وبناء جدار عازل داخل الحدود اللبنانية؟ اسرائيل التي تطلق يد مستوطنيها "همج التلال" في الضفة هي نفسها التي تحتل وتكمل عدوانها على لبنان وترتكب ما ترتكبه فلماذا لا يكون تحرّك ضدها بل يتهم الجيش اللبناني لأنه حمّلها مسؤولية ما تفعل؟ المطلوب واضح، جرّ لبنان الى مفاوضات سياسية مباشرة بوفد سياسي مطعّم بعناصر أمنية رفضاً للوفد الأمني المطعّم بخبراء لبنانيين. 

 

حسناً فعل رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الجيش وهو على أرض الجنوب بأن أعلن ومن أعلى مستوى في الدولة المبادرة لوضع حد لكل تلك الأقاويل والاستعداد للتفاوض على أساس نقاط متسلسلة. حماية الجيش واجب وطني لحماية لبنان، فهل تذهب أميركا للمساعدة على هذا الأساس؟ ومضمون كلام الرئيس واضح في كل الاتجاهات.

 

تحية لرئيس الجمهورية وقائد الجيش والمؤسسة العسكرية وكل المؤسسات العاملة على تنفيذ قرارات الحكومة وبسط سلطة الدولة مع حفظ كرامتها ومعنويات ضباطها وعناصرها ومؤسساتها.