عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Oct-2019

رئيسة جمعية أصدقاء الفن والثقافة العربية بألمانيا: اللغة والثقافة العربية حلمي

 

 
ألمانيا - عارف حمزة-هايدلبرغ/ "ربما لأن والدي لم يعلّمني اللغة العربية، أو لم يحدثني بها وأنا طفلة صغيرة، كما كان يفعل الآباء الآخرون من العرب الذين تزوجوا من ألمانيات، وصار أطفالهم يتحدثون باللغتين العربية والألمانية، أي بلغتيْ الأب والأم، وبذلك تصبح لدى أحدهم لغتان أمّان لا لغة واحدة.. ربما هذا ما دفعني لاستكشاف مدينة حلب -مسقط رأس والدي- وباقي المدن السورية".. تقول ناديا المدرس في حديثها للجزيرة نت.
 
ناديا المدرس التي ولدت عام 1965، هي رئيسة جمعية أصدقاء الفن والثقافة العربية في مدينة هايدلبرغ الألمانية. وقد حصلت الجمعية على وسام الشرف من محافظ المدينة عام 2018، ولديها سمعة جيدة في كامل الأراضي الألمانية.
 
افتقاد اللغة العربية
عند سؤال ناديا عما إذا كانت تفتقد اللغة العربية كلغة أم، أجابت "كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما بدأت أهتم باللغة العربية، لأنني كنت أشعر بالفعل أنني أفتقد لغة أبي، وكنت أسأل نفسي: لماذا لا أتعلم اللغة العربية؟ خاصة أنني كنت أسمع الموسيقى والأغاني العربية وكانت تعجبني كثيرا تلك النغمة الخاصة بها، وكنت أنصت لأصدقاء أبي الذين كانوا يسهرون عندنا ويتحدثون عن فيروز وأم كلثوم والقصائد العمودية. وعندما كانت تصله رسالة من جدتي، كان أبي يقرؤها لنا باللغة العربية، ويترجمها لنا إلى الألمانية وهو يمسح دموعه.. كنت أشعر بأنه يتأثر أكثر وهو يقرؤها بالعربية، وصارت اللغة والثقافة العربية حلمي".
 
سافر والد ناديا إلى ألمانيا وهو في الثامنة عشرة من عمره ليدرس التحاليل الطبية ويعود بعدها إلى سوريا، ولكنه تخرج من الجامعة وعمل في مخابر المشفى بمدينة هايدلبرغ وتزوج من والدة ناديا، ليبقى في المدينة لحد الآن.
 
بعد حصولها على الشهادة الثانوية عام 1983، ذهبت ناديا إلى حلب وهي في التاسعة عشرة من عمرها لتتعرف على جدتها وعائلة أبيها، ومن هناك ذهبت لزيارة دمشق.
 
تقول ناديا "في دمشق درست اللغة العربية في معهد خاص للغات، وكنت قد سجلت نفسي في جامعة هايدلبرغ قسم الدراسات الإسلامية، وأكملت الدراسة في جامعة هامبورغ التي نلت منها درجة الدبلوم قبل أن أحصل على درجة الماجستير من جامعة هايدلبرغ".
 
رحلات سياحية ثقافية
بعد تخرج ناديا من الجامعة عملت لدى دار نشر في هايدلبيرغ، وفي الوقت نفسه نظمت -مع مجموعة من الأصدقاء- رحلة سياحية ثقافية إلى سوريا، وتطور هذا الأمر بتنظيم رحلتين إلى ثلاث في السنة منذ العام 1994 حتى العام 2010.
وبسؤال الجزيرة نت عن معنى أن تكون الرحلات سياحية ثقافية في آن واحد؟ قالت ناديا "كنا نزور المناطق السياحية في سوريا، وفي كل رحلة كنا نحدد مدينة أو مكانا معينا.. كنا نسكن مع الناس في ذلك المكان، ونأكل من أكلهم وننام في بيوتهم، ونتناقش معهم في أمور الحياة اليومية والفلكلور والمناسبات وسماع القصائد والحكايات والأساطير التي تخص ذلك المكان.. كنا نحضر الأعراس التي تحصل في ذلك الوقت، ونتعرف بشكل ملموس على العادات والتقاليد وكل شيء يتعلق بالحياة اليومية للناس العاديين وكذلك المثقفين".
 
هذا يعني أنه كانت لديك شبكة من العلاقات الجيدة داخل سورية، ألم تتعرضوا لمضايقات؟ تساءلت الجزيرة نت، لتجيب ناديا بأنه فعلا كانت هناك مضايقات من الأمن السوري الذي كان يراقب كل تحركات المجموعة. "وفي مرات كثيرة كان الأمن السوري يدق باب بيت الناس الذين استضافونا ويبدؤون بالتفتيش وسؤال المضيف عن سبب وجودنا هنا. وفي مرات كان الأمن يستدعي أولئك الناس للتحقيق، وهذا ما كان يشعرنا بالفزع على مستضيفينا".
 
ثم استدركت بالقول "نعم كانت لدينا شبكة علاقات جيدة جدا داخل سوريا، ونتواصل معهم بشكل دائم، ولكن الحرب قطعت زياراتنا وجعلتنا في قلق دائم على أصدقائنا هناك".
 
رحلات إلى دول عربية أخرى
خلال تلك السنوات زارت الجمعية وأصدقاؤها المرافقون مدنا ومعالم سورية كثيرة في شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها، مثل الحسكة والرقة ودير الزور وحماة وإدلب واللاذقية وطرطوس وجزيرة أرواد وريف دمشق والسويداء ودرعا.
 
ولكن لماذا تعلق الأمر بسوريا فقط طالما أن الجمعية تهتم بالفن والثقافة العربية وليس السورية فحسب؟ قالت ناديا للجزيرة نت "لم تقتصر زياراتنا على سوريا فحسب رغم أنها كانت زيارات مثمرة، ولكننا نظمنا رحلات مماثلة إلى كل من لبنان والأردن ومصر واليمن والطوارق في الجزائر".
 
سوريّة وألمانية
لا تشعر نادية المدرس أنها نصف سورية ونصف ألمانية وفق ما ذكرته للجزيرة نت، بل تشعر أنها سورية بشكل كامل وألمانية بشكل كامل، لذلك تفتقد سوريتها رغم نزوح الكثير من السوريين إلى ألمانيا.
 
وعن شوقها لسوريا التي لم تزرها منذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد في ربيع العام 2011، قالت ناديا "لديّ شعور كبير بالحزن على ما يجري في سوريا، والذي أدى إلى دمار الكثير من المناطق التي زرناها هناك، خاصة أن تلك الزيارات لم تكن سياحية فقط، وإنما زيارات عائلية تحمل تلك الحميمية مع الناس والمكان، وأنا أفتقد ذلك جدا، وأتمنى أن أزورها قريبا".
 
في هذه اللحظات تدمع عيناها، فتكمل "نعم.. دموعي تنزل كلما سألني أحد ما هذا السؤال.. صحيح أنني كنت أشعر بالحزن في زياراتنا السابقة كلما سمعت من الناس تلك الشكاوى عن الفقر والعوز أو عدم وجود الحريات وعن الفساد، ولكن الحرب شيء آخر، فالدمار لا يشفي الجراح التي يحدثها سريعا".
 
نشاطات ودعم وورشات عمل
يذكر أن جمعية أصدقاء الفن والثقافة العربية التي تأسست في ألمانيا عام 1997، تقيم الكثير من النشاطات سواء في قاعتها الرئيسية أو في قاعة "أرابيسك"، وبذلك تعتبر جسرا ثقافيا وإنسانيا بين الجمهور الألماني والثقافة والحضارة العربية، وبذلك نستطيع أن نفهم شعار الجمعية "عيش العالم العربي ولمسه" الذي تضعه في مراسلاتها ونشاطاتها وكذلك في تقديم نفسها.
 
وعن تلك النشاطات تقول ناديا "أقمنا الكثير من الأمسيات الشعرية باللغتين العربية والألمانية، وكذلك ورشات عمل مع فنانين تشكيليين مثل يوسف عبدلكي وأسعد عرابي وإبراهيم جلال ومحمد أكسوح (الجزائر) وفارس قره بيت ومحمد غنوم وأحمد بارودي (ليبيا). وكانت آخر ورشة فنية للفنان السوري محمد غنوم من خلال تعليم الطلاب الألمان كيفية التعامل مع الحروف العربية كخط وكفن تشكيلي".
 
من جهة أخرى، تعرض الجمعية أفلاما عربية للجمهور الألماني وتناقش مخرجيها في بعض الأحيان. كما تضع إمكانياتها تحت تصرف المخرجين العرب الشباب، وتقدم لهم الدعم في تطوير أعمالهم الفنية، وإمكانية التواصل مع الإعلام الألماني.
 
ولم تكتف الجمعية بتقديم ما هو فني وثقافي، بل تقدم كذلك محاضرات عن فلسطين والعراق واليمن والجزائر وسوريا.. لتقديم الصورة الحقيقية عن الوضع العربي والإسلامي، "وهذا ما جعلنا نعمل على تنظيم محاضرات للجمهور الألماني عن إيران وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا والخليج العربي"، كما تقول ناديا المدرس.
 
المصدر : الجزيرة