عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-May-2019

بین بدر والفتح - د. محمد المجالي

 

الغد- مرت ذكرى غزوة بدر قبل یومین، وھي ذكرى بدایة الإسلام أیضا، حین نزل جبریل علیھ السلام
على نبینا محمد صلى الله علیھ وسلم في الغار، وابتدأ الوحي بـ: ”اقرأ“، ومن ھنا سمى الله بدرا
بیوم الفرقان، فھي في حقیقتھا فرقان بین حق وباطل، وإلا فمن كان یخطر ببالھ أن فئة قلیلة بلا
سلاح ولا تھیئة للحرب تغلب فئة كبیرة مستعدة للقتال، ھذا في عرف البشر مستحیل، ولكن الله
تعالى یرید أن یحق الحق بكلماتھ، ویقطع دابر الكافرین، ولو كره المجرمون.
وغدا ذكرى فتح مكة، وبین الفتح وبدر ست سنین، فغزوة بدر في رمضان من العام الثاني للھجرة،
وفتح مكة في العشرین من رمضان في العام الثامن للھجرة، ومرة أخرى، من كان یظن أن ھذا
النبي ومن معھ من المؤمنین الذین ھاجروا سرا، وتركوا أھلھم ومتاعھم، سیرجعون بعد ثماني
سنین من ھجرتھم، لیقول النبي صلى الله علیھ وسلم لمن أخرجھ وتفنن في إیذائھ وأصحابھ: ما
تظنون أني فاعل بكم؟ لیجیبوه والمسكنة تعلو وجوھھم المنكسرة للحق: أخ كریم وابن أخ كریم،
لیقول لھم في النھایة: اذھبوا فأنتم الطلقاء، بل یغزو مباشرة بعد الفتح ھوازن وثقیف فیما سمي
بغزوة حنین، ویغنم كثیرا، ویوزع جزءا من الغنائم على المؤلفة قلوبھم من قریش نفسھا، علامة
على علو الحق، ومع الحق رحمة وسعت حتى أعداء الأمس، فھو ھذا الدین العظیم الذي یصنع
المعجزات إن التزمت بھ المجتمعات.
شاء الله تعالى أن تكون الغزوة الأولى بدرا، وفي البدر معاني التمام، لم تكون نیة القوم قتالا، بل
قافلة تاجرت فیھا قریش بأموالھم التي اغتصبوھا، استطاعت القافلة الإفلات في طریقھا إلى الشام
ابتداء، فترصدھا النبي صلى الله علیھ وسلم وصحبھ في إیابھا، فھي بلا شك ستمر بجوار المدینة،
وصل الخبر لقائدھا أبي سفیان، فاستنجد قومھ لیحموا أموالھم، واختار طریقا آخر ساحلیا فنجت
القافلة مرة أخرى، وتھیأت قریش لحرب محمد صلى الله علیھ وسلم ومن معھ، وساروا للحرب،
وبلغ خبر خروجھم محمدا صلى الله علیھ وسلم، ولما اتضحت الحقیقة، أن القافلة نجت، وأن قریشا
على الأبواب حیث اللقاء الذي رتبھ الله سبحانھ لحكمة یریدھا.
كشف الله عن حقیقة قلوب الصحابة عموما؛ حیث تمنوا القافلة لا القتال، لا جبنا فیھم، بل لأنھم غیر
مستعدین، ولو أن فیھم طائفة منھم كارھة للحرب ابتداء، وصدق الله: ”كما أخرجك ربك من بیتك
بالحق وإن فریقا من المؤمنین لكارھون، یجادلونك في الحق بعدما تبین كأنما یساقون إلى البیت
وھم ینظرون، وإذ یعدكم الله إحدى الطائفتین أنھا لكم، وتودون أن غیر ذات الشوكة تكون لكم،
ویرید الله أن یحق الحق بكلماتھ ویقطع دابر الكافرین، لیحق الحق ویبطل الباطل ولو كره المجرمون“.
ّ ولما بلغ خبر نجاة القافلة قریشا أصر زعیمھم أبو جھل على المضي في قصدھم، وعبر بعبارات
التكبر والتجبر، أن یصلوا بدرا، فیشربوا الخمر، وتعزف القیان، وینحروا الإبل، فما تزال العرب تسمع بھم حتى تھابھم، ویا لمصیر المتكبرین في كل زمان، فقد أبى الله تعالى إلا أن یكون نصرا للفئة المستضعفة على الفئة المستكبرة، وقُتل صنادید قریش، فوعد الله لا یتخلف، وعدھم إحدى
الطائفتین، ونجت القافلة، فلا بد من المواجھة، ربما ھم في قرارة أنفسھم استغربوا حتى مجرد
المواجھة فھم غیر مسلحین، لكن إرادة الله تمت، وكان اللقاء، وقطع دابر القوم الذین ظلموا، واھتزت مكانة قریش حین سمع العرب بما حصل، تم ھذا بعد أقل من سنتین على الھجرة، ففي میزان البشر كل ذلك مستحیل، ولكنھا إرادة الله.
ّ أما الفتح فقد كان أعجوبة أخرى، ھم النبي صلى الله علیھ وسلم بالتوجھ إلى مكة لأداء عمرة بعد أن ُخرِ جوا رأى أنھ یدخل الحرم ھو وأصحابھ، واستبشر الصحابة فھم في شوق عظیم لمكة التي 
منھا، خرجوا ومعھم سلاح الراكب لا المقاتل، وشاء الله أمرا آخر، فقد منعتھم قریش، وجرى صلح
الحدیبیة، وكان ذلك في ذي القعدة من العام السادس، وبدت بنود الصلح مجحفة في حق المسلمین، ورجعوا من عامھم ذلك محزونین؛ إذ كانت مكة على بعد مسافة قریبة منھم، ولكن مقدمات أمر یریده الله قد بانت، فقد حبس الله ناقة النبي صلى الله علیھ وسلم من الاستمرار في المسیر، فعلم أن الله یرید أمرا ما، وكان ما كان، ولا یتسع المقام للتفاصیل، ورجعوا، وأدوا العمرة في عامھم المقبل، وعاشوا في سلم استطاعوا من خلالھ تبلیغ الدعوة لأكبر عدد من الناس، وأسلم عدد كبیر، ومن ھنا سمى الله الصلح فتحا، ولا أدل على ذلك من أن عدد المسلمین في الصلح كان قرابة ألف وخمسمائة، بینما بعد سنتین في فتح مكة، كان عدد الجیش عشرة آلاف.
ھي مشیئة الله وتوفیقھ لعباده إن ھم توكلوا علیھ فأخذوا بالأسباب ولو كانت بسیطة، فھو التعامل مع الله، وھو الذي وعد بنصر المؤمنین: ”وكان حقا علینا نصر المؤمنین“، وھو الذي قال: ”إن
تنصروا الله ینصركم ویثبت أقدامكم“، نتذكر ھذا في كل حین، في ظروف السلم والحرب، فالعقد
الذي بیننا وبین الله عبادتھ بالمفھوم الشامل للعبادة، حیث الخضوع لأمره، وجعلھ سبحانھ مقصدا لنا
ّ في توجھنا كلھ، حتى في أمور دنیانا لنحص ّ ل الأجر، وحین یكون مقصدنا ھو الله، فلن یخیب الله
رجاءنا، ولن یخذلنا.
ُ في بدر وفتح مكة وغیرھما كالأحزاب وح ْنین وتبوك من الأمل الشيء الكبیر الكثیر، خاصة في
زمن الانتكاسة وغلبة الكفر وتحكمھم واستعلائھم، لكن القرآن یتحدث، والتاریخ یخبر، أن لا
مستحیل مع الله، حین نأخذ بالأسباب، ونحسن الظن بھ سبحانھ، ونثق بأنفسنا ونبني الإرادة
الحقیقیة، ونتخلص من العبودیة لغیره سبحانھ وتبعاتھا، فلیست المعادلة قوة الآخرین وضعفنا، بل
غیاب إرادتنا والھزیمة الداخلیة التي نعاني منھا مع شلل الإرادة وتمزق الأمة وكثرة خلافاتھا، ومع
ھذا فحین یشاء الله تتبدل الأمور كلھا، وھو صاحب ھذا الدین وھو أكثر غیرة علیھ وعلى أتباعھ
المستضعفین، والمھم أن لا نیأس، ونعمل ولو بالبسیط من أمر الله، ”والله غالب على أمره، ولكن
أكثر الناس لا یعلمون“.