عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Mar-2019

مجزرة نیوزلندا: الدلالات والعبر - د. أحمد یاسین القرالة
الغد- استیقظنا في الجمعة الماضیة على وقع عمل إرھابي وجریمة بشعة ارتكبھا شخص حاقد مشبع بالكراھیة ومترع بالعنصریة حتى الثمالة، خرج بھ عن كل القواعد الإنسانیة والأخلاقیة، وانتھك
ّكل المقدسات والمحرمات، نظراً لنوعیة الضحایا الذین طالھم الاعتداء وطبیعة المكان الذي ّ حصلت فیھ الجریمة وعدد الشھداء الذین سقطوا فیھ، والطریقة التي تم بھا، والنفسیة المشوھة التي سیطرت على منفذھا.
وقد أكد ھذا الفعل وطریقة تنفیذه بما لا یدع مجالاً للشك على براءة المسلمین من الإرھاب، وأنھم لم یكونوا یوماً مصدر خوف ولا رعب للعالم، إذ لو كانوا كذلك لما تمكن ھذا المجرم من تنفیذ جریمتھ وقتل ھذا العدد الكبیر من الناس، وھو آمن مطمئن یتلذذ بتصویر فعلتھ وبثھا للعالم ٍ ببرودة أعصاب وھدوء بال، لو كان المسلمون إرھابیین ومرعبین لما استطاع ھذا الوغد أن  یعود مرة ثانیة لیجھز على من تبقى من الجرحى والمكلومین.
ُّ لا یجوز بحال وصفھا بغیر الإرھاب، وأي توصیف لھا بغیر ذلك ھو ما حصل جریمةٌ مروعةٌ كیل لھا بغیر مكیالھا الحقیقي، مما یشكل استفزازاً للعواطف الإنسانیة وتنكباً لدماء الشھداء ً وغطاء للإرھاب ودعماً لھ.
ما كان لھذه الجریمة أن تحصل لولا الضخ الإعلامي الھائل الذي أدمن على تخویف العالم من المسلمین واعتبارھم عدواً للحضارة الغربیة والنقیض المكافئ لھا، وھي نتیجة طبیعیة للخطاب الذي أنتجتھ نظریةُ صراع الحضارات وعقلیةُ نھایة العالم، والذي سعى بكل الأسالیب والطرق لتشویھ صورة المسلمین وتألیب العالم علیھم، ووصمھم بالعنف والإرھاب.
إن الإصرار على وصف الإسلام دون غیره من الأدیان بالإرھاب بعد كل فعل مروع یقوم بھ عربي أو مسلم لن یؤدي إلا إلى تعقید المشكلة وزیادة منسوب العنف والإرھاب؛ لأنھ یمس مشاعر المسلمین كافةً ویطعن في دینھم وعقیدتھم، ویجعلھم كلّھم في خانة واحدة مما یحملھم على الاعتقاد بأن دینھم ھو المستھدف، وحضارتھم ھي المقصودة.
وفي المقابل إنھ لمن الخطأ جداً تصنیف ما قام ذلك المجرم على أنھ إرھاب مسیحي، أو المطالبة باعتباره إرھاباً مسیحیاً؛ باعتبار أن من قام بھ شخص مسیحي؛ لأن ذلك یجعلنا نكیل بمكیال مختل ونقیس بمعیار مضطرب، لن یؤدي في النھایة إلا إلى المزید من صناعة الأعداء، ویحرمنا من التعاطف العالمي والإنساني، ویرفع منسوب الكراھیة والعنف ویزید من عدد الضحایا.
ُ لقد أظھر الشجب العالمي للجریمة والتندید بھا مقدار التعاطف مع الضحایا خاصةً في المجتمع
النیوزلاندي، مما یوجب علینا استغلال ھذا التعاطف وتعظیمھ والتواصل معھ خدمةً لقضایانا، ویحملُّنا مسؤولیة كبیرة لمواجھة الإرھاب والتصدي لھ والامتناع عن تبریره وتسویغھ، والسعي الحثیث للقضاء على عللھ وأسبابھ وفي مقدمتھا الظلم العالمي والاستكبار الأممي، مع ضرورة التأكید على التمییز بینھ وبین حق الشعوب في مقاومة المحتل الذي كفلتھ القوانین الوضعیة والشرائع السماویة.
وعلى الجالیات الإسلامیة في دول المھجر احترام قوانین وتقالید تلك الدول، وتجنب إثارة النزاعات معھا أو استثارة مخاوفھا واستجلاب عداواتھا، ومن الضروري أن یكون لھذه الجالیات فقھھا الخاص الذي یتناسب مع ظروفھا ویتوافق مع أحوالھا.
لقد أدى ھذا العمل البشع عن غیر قصد من فاعلھ إلى زیادة منسوب التعاطف مع الإسلام وحفّز الكثیرین لمحاولة فھمھ والتعرف علیھ، والأھم من ذلك أنھ حطم نظریة احتكار المسلمین
للإرھاب واعتباره علامةً تجاریةً خاصةً بھم، والتي تبنتھا العدید من الدوائر العالمیة ُ والمؤسسات الإعلامیة، فقد أثبت ھذا الفعل أن الإرھاب لا دین لھ ولا عقیدة، وأنھ العدو الأول للدین والإنسان.