ھآرتس
تحدث في ھذه الأثناء تطورات في الشرق الأوسط، في أساسھا یبدو أنھ كضعف وتراخي كبیر للحلف المؤید لأمیركا والمناھض لإیران في المنطقة. ویوجد لترامب كرئیس للولایات المتحدة دور غیر قلیل.
ومنذ تولیھ منصبھ في كانون الثاني (ینایر) 2017 عزز ترامب علاقات الولایات المتحدة مع زعماء معسكر الدول السنیة المحافظة، الذین الكثیر منھم تلقوا ضربات شدیدة جدا من فترة ولایة سلفھ، باراك اوباما. ولكن الاشھر الاخیرة لم تكن جیدة لأي من ھؤلاء الزعماء وأثرت ایضا على علاقاتھم مع الادارة الحالیة. في الخلفیة تقف العداوة بینھم وبین ایران الى جانب احباطھم المتزاید مما یعتبر في الدول السنیة ضعفا امیركیا كبیرا ازاء طھران.
في بدایة شھر آب (أغسطس) الماضي انسحبت دولة الامارات من التزامھا بحرب السعودیة في الیمن ضد المتمردین الحوثیین (المدعومین من ایران). وفي منتصف الشھر الحالي تلقت السعودیة الضربة الاشد في تاریخھا من طھران، التي اصابت بصورة شدیدة منشآت النفط وأضرت بانتاج النفط فیھا. وبدون صلة مباشرة بذلك یواجھ مؤخرا نظام الرئیس المصري عبد الفتاح السیسي موجة مظاھرات احتجاج على قمع المعارضة والوضع الاقتصادي. حجم المظاھرات صحیح أنھ صغیر، لكنھ یعبر عن انكسار معین لحاجز الخوف، وفي نفس الوقت، في اسرائیل ایضا یتعرض رئیس الحكومة بنیامین نتنیاھو، الذي وصفھ ترامب على الاقل في الفترة الاخیرة، كصدیقھ المقرب الذي یتعرض لصعوبات خاصة بھ إزاء نتائج الانتخابات.
باختصار، جمیع الزعماء الاقلیمیین الذین أیدوا ترامب في سیاستھ المناوئة لإیران والمتشددة التي اتبعھا، ایضا ھم ینشغلون الآن بمشكلاتھم ویتشككون بخصوص درجة تمسك ترامب باستراتیجیتھ السابقة.
ترامب اعلن عن انسحاب امیركا من الاتفاق النووي مع ایران في أیار (مایو) 2018 وبعد ذلك طبقت الادارة سیاسة ”الحد الاقصى من الضغط على طھران“ من خلال تجدید ضغط العقوبات الاقتصادیة الذي تسبب بأضرار كبیرة لاقتصاد ایران. وفي أیار الماضي وازاء المس باقتصادھا وصناعة نفطھا، فإن ایران غیرت سیاستھا وبادرت الى موجة ھجمات ضد منشآت وناقلات النفط السعودیة ودولة الامارات. في شھر حزیران (یونیو) اسقطت طائرة امیركیة بدون طیار باھظة الثمن، والتي حسب اقوالھا اخترقت اجواءھا، وفي ھذا الشھر ھاجمت بصواریخ كروز منشأتین للنفط في السعودیة (ھجوم تنفي ایران صلتھا بھ). وفي نفس الوقت، اعلنت طھران عن خطوات ستشكل خرق لالتزامھا بإطار الاتفاق النووي من العام 2015.
الافتراض المقبول في الغرب ھو أن القیادة في ایران ترید استئناف المفاوضات حول الموضوع النووي. ولكنھا تطمح للقیام بذلك بشروطھا – الخروج من الازمة التي وجدت نفسھا فیھا عن طریق نقل الضغط الى الساحة الامیركیة والاوروبیة. في ھذه الاثناء لم یتم تحقق تقدیر جزء من رجال الاستخبارات (منھم ایضا اسرائیلیین) الذین اعتقدوا بأن خطوات ایران الاستفزازیة ستسرع عقد قمة بین ترامب ونظیره الایراني، الرئیس حسن روحاني، على ھامش الجمعیة العمومیة للامم المتحدة في نیویورك في ھذا الاسبوع. اللقاء لا یجري بسبب الایرانیین الذین یطلبون من بین امور اخرى أن یتم رفع العقوبات أولا، ولیس بسبب ترامب الذي اعلن مرات كثیرة عن الرغبة في اجراء مفاوضات بدون شروط مسبقة (والآن یحاول نفي ذلك).
مھاجمة منشآت النفط كشفت الضرر الكبیر الذي یمكن للایرانیین التسبب بھ رغم الاموال الطائلة التي استثمرتھا دول الخلیج في انظمة الدفاع بدعم امیركي. قدرة السعودیة على تزوید النفط تضررت لعدة اشھر على الاقل، واسعار النفط ارتفعت. ولكن الرد الامیركي تقلص في ھذه الاثناء بالاعلان عن فرض عقوبات اخرى ضد ایران وشائعات عن ھجمات سایبر. الآن توجد تقدیرات بأن ایران ستزید اكثر رھانھا وستبادر الى ھجمات اخرى ازاء الردود الامیركیة والسعودیة الضعیفة.
أول من أمس نشرت ”نیویورك تایمز“ تقریرا مفصلا عن الانعطافة المشھورة لترامب والتي تراجع فیھا في شھر حزیران (یونیو) الماضي عن توجیھ تعلیماتھ لمھاجمة مواقع عسكریة في ایران ردا على اسقاط الطائرة الامیركیة بدون طیار. وتبین أن الرئیس اوقف الھجوم في الوقت الذي كانت فیھ الطائرات الامیركیة في الجو، قبل عشر دقائق من القصف. وقد فعل ذلك بدون ابلاغ نائبھ مایك بینس والوزراء الكبار والقیادة العسكریة العلیا.
ترامب برر قراره بعد ذلك بالتقدیر الذي تلقاه من القانونیین في البنتاغون والذي یقول بأنھ سیقتل 150 ایرانیا في الھجوم. ومع ذلك، یبدو أنھ عملت ھنا عدة اعتبارات واسعة متعلقة بالخوف المبرر للرئیس من حرب اقلیمیة، التي ستكلف قتلى واموالا امیركیة طائلة. ترامب ایضا یخاف من أن حرب اخرى ستضر بسوق النفط وستقلص فرصة انتخابھ مرة اخرى بعد اقل من سنة.
نفس الاعتبارات تقید ایضا طبیعة الرد الامیركي على الھجوم الاخیر، ولكنھ یضاف الى ذلك ھذه المرة تردد السعودیة. یبدو أنھم في الریاض ایضا غیر متأكدین من أنھم یریدون التورط في مواجھة مع الایرانیین، لا سیما أن تحفظ ترامب من مواجھة عسكریة اصبح واضحا. سیاسة واشنطن تجاه طھران یبدو أنھا في طریق مسدود. حلفاؤھا في الشرق الاوسط متشككون وغارقون في مشكلاتھم الداخلیة. ایران في ھذه الاثناء تواصل السیر على الحافة رغم الخطر من أنھ في مرحلة ما سیمل الامیركیون وسیردون بقوة. ھل كل ذلك یؤدي الى اعادة التفكیر جدید، سواء في الولایات المتحدة أو في اسرائیل، بخصوص درجة الحكمة التي كانت سائدة في خطوة انسحاب امیركا من الاتفاق النووي. ورغم تحفظات الكثیر من رجال المخابرات في الدولتین، في ھذه الاثناء لا یسمع أي ندم، على الاقل لیس بصورة علنیة، سواء في واشنطن أو في إسرائیل.