متابعة صور الإجرام الصهيوني على الشاشات.. رواية الأجداد للأحفاد
الغد-حنان بشارات
مع دخول العدوان الوحشي على غزة يومه الثاني والأربعين وما يتبعه من ارتكاب الاحتلال الصهيوني مجازر همجية بحق المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ، يبقى المشاهد العربي شاهدا حيا على هذه الجرائم، يصطدم بمشاهدها، ويتناقل فصولها، ويرويها للأجيال المقبلة، فيما ينصح خبراء بتنفيس حالات الاحتقان إيجابيا عبر مزاولة أنشطة المساعدة والدعم للأشقاء في غزة.
ورغم ما تترك هذه المشاهدات من آلام وانفعالات على المشاهد، وما تخلفه من تأثيرات نفسية على الأطفال، إلا أن المشاهد تظل رواية دامية تحكي قصة كسر إرادة العدو وهزيمته، وإضعاف جيشه، فضلا عن استدعاء الصورة السابقة التي حققها الجيش العربي العام 1968 عندما أجهز على أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
وفي السياق، يرى أستاذ علم الاجتماع الخبير القانوني الدكتور رياض الصرايرة، أن الجلوس أمام الشاشات فترات طويلة يؤثر على الأطفال وكبار السن، إلا أن ما يحدث يبقى شاهدا على جرائم الاحتلال، يتفاعل معها الإنسان العربي، وينقل الصورة لأبنائه وأحفاده حول همجية المحتل، وكذب زيف ادعاءاته ورواياته عن طريقة تعامله مع المدنيين، وأبناء المقاومة الفلسطينية.
فيما يرى خبراء آخرون، أن التسمر أمام الشاشات فترات طويلة يؤثر على الجهاز العصبي للأطفال، فضلا عن تأثيرات المشاهد في أحلامهم، في حين ربما تؤدي تلك المشاهد عند المسنين إلى ارتفاع ضغط الدم الشرياني والسكري لديهم، لكن هذا الأمر نسبي ويختلف من شخص لآخر.
بدوره، يؤكد رئيس جمعية الأطباء النفسيين في الأردن الدكتور علاء الفروخ، أن تأثير المشاهد المستمرة لحالات الحرق والقتل والجثث والدمار هي ذات مردود سلبي على الأطفال وذوي الأمراض النفسية، باعتبارها الفئات الأكثر تضررا.
وأشار الفروخ الى أن فئة المرضى النفسيين، يمكن أن تحدث لها انتكاسة تختلف في تأثيرها عن الأشخاص الطبيعيين.
وعرج على تأثيرات أخرى قد تنجم عن المشاهدة لفترات طويلة أمام شاشات التلفزة والهواتف الخلوية، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، مشددا على أن التجارب العلمية على المديين البعيد والقريب تشير الى إلى أن يصبح الأطفال أكثر ميلا للعنف جراء مشاهد العنف والقتل. وتابع أن لديه مرضى حصلت لهم انتكاسة مرضية لمشاهدتهم صور الحرب والدمار والقتل.
وحث الفروخ، الأطفال والمرضى وكبار السن من حالات ذوي الاختطار العالي، على تقليل متابعتهم لهذه المشاهد لانعكاساتها السلبية عليهم.
فيما يرى الخبير التربوي عايش النوايسة، أن الانفعال العاطفي يعد على درجة عالية من الخطورة، ويمس الصحة النفسية نتيجة ما يشاهده المرء من مناظر ومشاهد جرائم القتل التي يرتكبها العدوان الصهيوني.
غير أنه أيد الصرايرة من حيث النظرة الوطنية لهذه المشاهد، لافتا الى ضرورة توثيق هذه المرحلة من حياتنا حتى يتعلم المواطن العربي أن وطنه مستهدف، وأن عليه أن يكون على قدر كاف من الوعي إزاء الأخطار التي تحيق بأمته.
ولفت الى أنه، في المجمل، فإن عوامل الجذب تدفع بالمشاهد إلى البقاء أمام الشاشات فترات طويلة، مع كل ما يرافق ذلك من مؤثرات على السلامة والصحة النفسية والجسدية بشكل عام، حيث تعمل المشاهد على ارتفاع الهرمونات ومعدلات السكري والضغط وغيرها.
وتابع: "تعد هذه المؤثرات سلبية بسبب انشغال التفكير لفترات طويلة ومتابعة الأحداث وما يرافقها من قلق وتوتر"، حاثا الفئات ذات الاختطار العالي على التقليل من مشاهدة هذه الأخبار وتنظيم أوقاتها.
ويترافق مع ذلك، وفقا للنوايسة، الشعور بالتقصير وقلة الحيلة إزاء ما يشاهد من قتل الأطفال ومنع المساعدات، والحاجات الأساسية من مياه وغذاء ودواء وغيرها، وتسهم هذه الأمور أيضا بالتفكير المتواصل ونشوء حالة من الغضب الداخلي.
وشدد على ضرورة أن يكون ذلك عاملا مساعدا في التفكير بالوسائل التي تساعد على التفاعل مع الشعب الفلسطيني في محنته، وتقديم يد العون لهم، من خلال التبرع بالدم والمال، وبمظاهر الاحتجاج.
بدوره، يرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور مجد الدين خمش، أن الاعتداء الوحشي على غزة، وكذلك الحروب بشكل عام، هي أحداث مأساوية تهدد الحياة، فيما تبرع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في نقل الصورة وبث ما يجري لحظة بلحظة، وهذا من شأنه أن يترك تأثيرات سلبية جانبية على المشاهد والمتابع، وأبرزها التوتر والقلق.
وأوضح خمش، أن حالة من الإدمان تصيب جزءا من المشاهدين، حيث لا يستطيعون التحرك من أمام التلفاز ومتابعة الأحداث، ومنها فئة تعاني من أمراض مزمنة مثل الضغط والسكري، وهي الفئة الأكثر تأثرا من بين الأشخاص، وبالتالي ينصح بتقليل مشاهدتها للأحداث.
ونصح خمش المشاهد، بأن ينظم أوقات مشاهدته للأحداث الجارية في غزة.
وحث المواطنين على المساندة من خلال التبرع بالدم والقيام بحملات إعلانية داعمة لغزة ماديا ومعنويا، مشددا على ضرورة أن يحرص المشاهد على صحته الجسدية والنفسية.
وقال، إن أبرز مسببات التوتر النفسي للمشاهدة المتواصلة أنها تجعل المشاهد يشعر بالعجز لأنه لا يستطيع أن يقدم لأشقائه في غزة غير الدعاء.
كما نصح المشاهد بأن يتابع الجهود الدبلوماسية المبذولة من القادة والرؤساء لوقف الحرب، ما قد يشعره بالطمأنينة.