عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Sep-2025

خبراء: غرس الاستقلالية الدراسية ومسؤولية التعلم يبدأ منذ الطفولة

 الغد-ديمة محبوبة

 لم تعد المناهج الدراسية كما كانت قبل عقدين، إذ يطرأ عليها التغيير باستمرار، ودخلت التكنولوجيا إلى التعليم وقاعات التدريس.
وتحولت العملية التعليمية من التلقين والحفظ إلى البحث والاكتشاف والتفاعل في كثير من المدارس، حيث أصبح مطلوبا من الطالب أن يكون محللا وباحثا، قادرا على إدارة وقته وتحمل مسؤولياته.
 
 
ومع تسارع وتيرة الحياة واختلاف المناهج بين جيل الآباء وأبنائهم، وكثرة انشغالات الأهل في تأمين متطلبات الحياة، بات على الأبناء أن يتحملوا مسؤولية دراستهم، وأن يعملوا ضمن فريق أو بشكل مستقل.
وفي خضم هذه التحولات، تزداد الحاجة إلى تعليم الأبناء كيف يعتمدون على أنفسهم في دراستهم خطوة بخطوة، حتى يكتسبوا الثقة ويطوروا مهارات حياتية تساعدهم على النجاح في المدرسة والحياة معا.
أوضحت فريال مسعود أم لطفلين تتراوح أعمارهما بين (10–15) عاما، أن الصعوبة التي تواجهها اليوم في تدريس طفليها كبيرة جدا، فالمساقات والمناهج مختلفة ومتطورة عما درسته في السابق.
وتؤكد أنها قادرة على متابعة الحفظ والإملاء، لكن المواد العلمية والتكنولوجية صعبة، وغالبا ما تضطر إلى دراستها وفهمها أولا قبل أن تشرحها لطفليها.
وتعترف بأنها أخطأت حين لم تعود طفليها على الاعتماد على نفسيهما في الدراسة وتحضير الدروس، إذ إن اتكالهما الدائم عليها أمر مرهق، ويثير مخاوفها من أن تعجز عن تلبية احتياجاتهما كما يجب.
ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن الاعتماد على الذات قيمة اجتماعية تُنى منذ الصغر. ويوضح أن على الأهل أن يعلموا أبناءهم كيف يفكرون لا ماذا يفكرون، وكيف يحللون لا ماذا يحفظون.
ويضيف أن تكليف الطفل بمهام بسيطة في المنزل، وتشجيعه على اتخاذ القرار، يعززان استقلاليته تدريجيا ويجعلانه أكثر قدرة على مواجهة التحديات.
ويرى خزاعي، أن المجتمع يحتاج إلى شباب قادرين على التكيف مع التغيرات السريعة في التعليم والعمل، لا إلى أفراد يتلقون التعليمات من دون مشاركة أو إبداع.
أما التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني، فترى أن الاستقلالية لا تأتي دفعة واحدة، بل تبنى عبر مراحل وبالتدريج.
وتقول "إن الطفل في المرحلة الابتدائية يمكن أن يتعلم ترتيب أدواته وإعداد جدول يومي بسيط، بينما في الإعدادية والثانوية يمكن أن يخطط لوقته ويراجع نفسه ويتحمل نتائج قراراته، سواء أكانت صحيحة أو شابها الخطأ".
وتشدد على أهمية الدعمين النفسي والعاطفي من الأهل والمعلمين، فالطالب يحتاج إلى بيئة تشجعه على التجربة والمحاولة من دون خوف من العقاب، مع تقدير أي تقدم يحققه مهما كان بسيطا.
ويتفق الخبراء، على أن غرس الاعتماد على النفس في التعليم يبدأ منذ السنوات الأولى، حين يشجع الطفل على ترتيب أدواته وتحمل جزء من واجباته اليومية، ثم يتطور الأمر في سن المراهقة ليشمل تعلم التخطيط وتنظيم الوقت والمشاركة في بعض القرارات العائلية.
وتؤكد الكيلاني، أن الطالب في المرحلة الثانوية يصبح قادرا على تقييم نفسه واتخاذ قرارات أكاديمية ومهنية تمهيدا للحياة الجامعية أو سوق العمل، وهذا التدريج يجعله أكثر ثقة بنفسه وأكثر قدرة على التعامل مع مسؤولياته اليومية، ويعلمه أن الخطأ ليس نهاية الطريق، بل خطوة نحو التعلم والنضج.
وتلفت إلى أن الطريق ليس خاليا من العقبات، فكثير من الأهل يضعون توقعات عالية ويتدخلون في كل التفاصيل، فيقمعون مبادرات أبنائهم، ما يجعلهم ينفرون من المسؤولية والمبادرات، وتبقى الاعتمادية سيدة الموقف.
وترى، أن بعض الأهالي يلجؤون إلى الدروس الخصوصية بشكل مفرط، فيعتاد الطالب الاعتماد على الآخرين بدلا من أن يتعلم كيف يبحث ويحل مشاكله بنفسه.
وأيضا، بعض البيئات التعليمية الصارمة لا تترك مساحة للخطأ، فتزرع الخوف في نفوس الطلاب وتجعلهم يتجنبون المحاولة خشية العقاب أو الانتقاد. وتضاف إلى ذلك الفوارق الفردية بين الأبناء، ما يستدعي تعاملا مرنا يراعي شخصية كل طالب ووتيرته في التعلم، بحسب الكيلاني.
وينوه خزاعي، إلى أهمية التوازن، موضحا أن المطلوب ليس ترك الطالب يواجه كل شيء وحده، ولا التدخل في كل خطوة، بل توفير بيئة داعمة تمنحه فرصة التجربة مع متابعة وتشجيع.
وتوافقه الكيلاني الرأي، مؤكدة أن دور الأهل والمدرسة في تمكين الطالب من اكتشاف إمكاناته، مع منحه مساحة ليخطئ ويتعلم، لأن التعلم الحقيقي لا ينمو إلا في بيئة تسمح بالمحاولة.
وأخيرا، فإن تعليم الأبناء الاعتماد على أنفسهم في الدراسة ليس ترفا تربويا، بل استثمار في مستقبلهم، يخلق منهم أشخاصا قادرين على مواجهة تحديات الحياة وتغيراتها، وعلى الإبداع في بيئة تعليمية ومهنية تتطلب الانضباط والمرونة والقدرة على التفكير المستقل.
ومع الوقت، يدرك الأهل أن منح أبنائهم مساحة للتجربة وتحمل المسؤولية هو الطريق لصقل شخصياتهم، وأن نجاحهم الأكاديمي وكذلك في الحياة سيكون ثمرة طبيعية لهذا النهج، ليصبح الطالب نفسه شريكا واعيا في بناء مستقبله، بدلا من أن يكون مجرد متفرج أو عبء في المستقبل.