عقوبة الإعدام في الإسلام - د. ھاشم غرایبة
الغد- لا وجھ للمقارنة بین التشریعات الإلھیة وتشریعات البشر، فخالق النفس البشریة ھو العلیم
باحتیاجاتھا، وھو الخبیر الذي أوجد فیھا نقائصھا وعیوبھا، لحكمة أرادھا، لذلك فلا یمكن أن
تتضمن تشریعاتھ عقوبات على طبیعة ھو أوجدھا، بل على ما یخالف تلك الطبیعة.
ّ خلق الله الإنسان في أحسن تقویم بین كل الكائنات، مكرما بالعقل، وممیزا بحریة التصرف
والسلوك، لكنھ حتى لا یتجاوز على حریات الآخرین فقد أنزل الله منظومة كاملة من التشریعات
المحددة لذلك، ضمن إطار عام سماه الله ”الدین“ یضمن سعادة الإنسان وحریتھ، في مجتمع مستقر
متعاون أفراده، والتي فھم الفقھاء على أنھا قائمة على مبدأ لا ضرر بالفرد ولا ضرار بالمجموع.
الضوابط لھذه السلوكات مزدوجة: فردیا قائمة على التقوى أي الخوف من عقاب الله والطمع في
ثوابھ، فھي استباقیة للمخالفة، وتحول دون حدوث التجاوز.
ومجتمعیا قائمة على نظام سیاسي یحكم المجتمع وفق التشریعات الإلھیة، فیعاقب من تغلب طمعھ
على رادع التقوى، فخالف تلك التشریعات، والھدف من العقاب ردع الآخرین الذین تسول لھم
نفوسھم الظلم.
بالطبع فالتشریعات البشریة تخلو من الضبط الذاتي، لذا فھي تقتصر على عقوبات بحق المخالف
لما توافق علیھ المجتمع، كما أن تحدید الجرم متباین حسب كل مجتمع، ومن یحدده نخبة تشریعیة،
لكن اختیارھا كما السلطة القضائیة والتنفیذیة، یشوبھ عیب أن الاختیار (الدیمقراطي) عادة ما تحدده
أغلبیة الـ 51 % من المجتمع ومصالحھا، وعادة ما توجھ وفق رغبات المتنفذین سیاسیا ومالیا.
العقوبات في الشریعة محددة في الكتاب والسنة، وھي على أربعة وجوه:
1 – القصاص: وھو استیفاء لحق المتضرر من مرتكب الجرم بمثل الفعل الذي قام بھ، فالقاتل
المتعمد والذي قام بذلك عن ترصد وإصرار بقصد إزھاق النفس التي خلقھا الله وقدر لھا حیاتھا
ورزقھا ومماتھا، فھذا اعتداء على حق شخص بالحیاة والتنعم بأنعم الله علیھ، وبتر لعمل قد یكون
في طاعة الله لینال رضاه والجنة، وعلى اختصاص الله الذي جعل الحیاة والموت بیده فقط، وھذا
ً الاعتداء جسیم، سواء كان دافع القتل اعتداء أو انتقاما، أو كان القتل بقصد الإفساد في الأرض
كالسطو المسلح أو قصف المدنیین العشوائي أو التفجیرات العمیاء، وفي الحالتین یحكم القاضي
على الجاني الذي ثبت جرمھ بالموت اقتصاصا، إلا إذا عفا ولي المقتول، وھذه ھي العقوبة الوحیدة
بالإعدام في الإسلام.
ّ من حدود الله، التي بینھا الله في كتابھ العزیز، وھي
2 – الحدود: وھي عقوبة من تعدى حداً
المواریث: وھي مفصلة في سورة النساء الآیة 11 – 13.
في موجبات الطلاق وإجراءاتھ، والواردة في سورة الطلاق الآیة الأولى.
في إیفاء المرأة حقھا في المھر، والوارد في سورة البقرة الآیة 229.
في الإضرار بالمطلقة، والوارد ذكره في سورة البقرة الآیة 231.
في الإضرار بالزوجة في الظھار، الوارد في سورة المجادلة الآیة 4.
الاعتداء على حق الله في التحلیل والتحریم الوارد في سورة المائدة الآیة 87.
وقد بین الله تعالى أن عذاب جھنم ھو عقوبة من یتعد حدود الله ولم یتب ویصلح ما أفسده، ما عدا
الظھار فعقوبتھ إن تاب عنھ ھي الكفارة.
وھنالك حدود لم یسمھا الله تعالى (حدود الله)، لكن اعتبارھا حدودا جاء لأن الله حدد عقوبتھا، ولم
یدع تقدیرھا للقاضي، وھي حد الزنا وحد القذف وحد السرقة.
3 – العقوبة التعزیریة وھي التأدیب في كل معصیة، في ترك ما أمر الله ورسولھ بھ أو إتیان ما
نھى عنھ، مما لا حد فیھا ولا كفارة، وتكون بحكم قضائي بإیذاء الجاني مادیا أو معنویا، بھدف
الردع والزجر والإصلاح.
4 – الكفارة: وھي عقوبة دنیویة مادیة أو تكلیفیة، لمرتكب معصیة، محددة في كتاب الله ومقدرة
قیمتھا بأحد ثلاثة أوجھ: بعتق رقبة أو إطعام مساكین أو الصیام، وإن نفذھا المخالف فھي تكفر
معصیتھ ویمحوھا الله من كتاب أعمالھ.
على أننا یجب أن نبحث في عقوبة الردة عن الدین التي اختلف فیھا الفقھاء، فالذین اعتبروا الحدود
قالوا بأن عقوبتھا (مثل كل حدود الله) تتم بعد الحساب ویقدرھا الله، ودلیلھم الشرعي قولھ تعالى
أما الذین قالوا بأن عقوبة الردة ھي الإعدام، فقد استندوا على ذلك من حدیث ابن عباس عن النبي
صلى الله علیھ: ”من بدل دینھ فاقتلوه“ [صحیح البخاري]، لكن من عارضوھم قالوا إنھ حدیث آحاد،
والحلقة الضعیفة في سلسلة الرواة ھو الراوي الأول ”عكرمة“ الذي رواه عن ابن عباس، لأن
سیرتھ تبین أنھ كان من الخوارج التكفیریین، كما أن في النص غموضا غیر معھود في الأحادیث
المؤكدة، واختلفت المذاھب في تفسیره.
فالشافعیة یقولون أن لفظة (دینھ) تدل على عموم الأدیان فذھبوا الى تعمیم ذلك حتى على من بد
دین كفر بآخر، أما المالكیة فحصروھا في التبدیل من الإسلام الى الكفر، في حین أن الحنفیة مثلا
َ یقولون إن المرأة لا تقتل، لأن ”من“ الشرطیة لا تشمل الأنثى.
كما اختلفوا أیضا في ضرورة استتابة المرتد وكم ھي المھلة، بدلیل لوم عمر بن الخطاب لوالیھ
على العراق أبي موسى الأشعري على قتلھ یھودیا أسلم ثم ارتد من غیر إمھالھ واستتابتھ.
إلا أن حجتھم الأكبر كانت في أنھ لم یرد أن النبي صلى الله علیھ وسلم أقام حد القتل على مرتد،
فجمیع من اقیم علیھم حد القتل، كان ذلك اقتصاصا، فیما كانت ھناك حالتان على الأقل مؤكدتان من
الردة: الأولى لأعرابي قدم المدینة مبایعا، وبعد فترة أراد أن یعود الى قومھ فاستأذن النبي صلى الله
علیھ وسلم في الرجوع عن بیعتھ، لأن قومھ لن یقبلوا بھ مسلما، فتركھ وشأنھ ولم یقم علیھ الحد.
والحالة الثانیة في عبد الله ابن أبي السرح الذي كان أحد كتاب الوحي لكنھ ارتد وھرب الى مكة،
وعند فتح مكة استجار بعثمان ابن عفان شقیقھ في الرضاعة، فتشفع فیھ لدى النبي صلى الله علیھ
وسلم طالبا أن یقبل توبتھ، فعفا عنھ ثم حسن إسلامھ، ولو كان حده القتل لما قبل النبي صلى الله
َ علیھ وسلم، بدلیل رده على أسامة بن زید عندما أتاه یتشفع للمرأة المخزومیة التي سرقت: ”أت
َ في حٍّد ُ من حُد ّ ود الله تعالى؟“.
نستخلص مما سبق أن النفس البشریة غالیة عند الله، فھو من وھبھا الحیاة وھو الذي یتوفاھا، ولا
یسمح بإزھاقھا بغیر حق، والحق حدده في الاقتصاص من القاتل، ففي القصاص حیاة للناس لأنھ
ُّ ھنا فقط یصبح القتل أجب للقتل.