إسرائيل هيوم
في الاجواء المتلبدة التي فاقمها جدا وباء الكورونا، يبرز المتنمرون على انواعهم، الملوحون بأصابع الاتهام، ممن يسارعون الى التنفيس عن مشاعر الخوف والغضب والحكم على الواقع غير المستقر. ويرفع الى المشانق “الساحرات” أو “الخونة” لتقدم المذنبين كسبب للأزمة.
يأتي المتنمرون اجمالا من الهوامش اليمينية واليسارية. وخطاب النبذ المفعم بمشاعر الغضب والثأر كهذه تتميز بها الدعاية الشيوعية، الفوضوية او الفاشية التي تتكرر في العالم وفي البلاد ايضا. وهو يزيف بشكل عام صورة الواقع وضرره كبير في أزمنة الخوف وعدم الاستقرار.
المثال الاهم على مثل هذا الخطاب في تاريخنا جاء في سنوات الرعب لأزمة يهود اوروبا قبل الكارثة. منذ بداية الثلاثينيات، “تميز” اليمين واليسار في الحاضرة اليهودية في البلاد في حينه بخطاب النبذ هذا: فكل طرف صور الطرف الاخر كبلاشفة، خدمة البريطانيين او النازيين، قتلة سياسيين، فاشيين. وفي اوقات الطوارئ ليس فقط المجتمع غير السيادي مثل مجتمع الحاضرة في حينه، بل وحتى دول قومية ذات سيادة انزلقت الى مثل هذا الخطاب النبذي. ويمكن للوضعية النفسية – الاجتماعية ان تحدث واحدا من امرين متعاكسين: تمزيق المجتمع الى اربا او تبلوره لحماية الحياة والخير المشترك.
لقد استجاب بيني غانتس لحاجة الانطواء حول مركز مرجعية حين استجاب لدعوة نتنياهو الانضمام الى حكومة طوارئ. ولكن بالضبط من ذات الخلفية النفسية – الاجتماعية يمكن أن نفهم حملة النبذ ضد غانتس، اورلي ليفي أبقسيس وعمير بيرتس، وضد الكاتب دافيد غروسمان، بصفتهم “خونة”. بعدهم قد يأتي في الدور “الاصوليون” الذين يتعرضون الان لحملة غير ملجومة من نبذ تعميمي.
نحن ملزمون بأن نختار بين ردي فعل على اوضاع الرعب الجماعية: النبذ والتفكك او رص الصفوف. في مثل هذا الوضع ايضا تكون المعارضة الشرعية، حتى وان لم تكن حيوية (بريطانيا عاشت على نحو جيد دون معارضة هامة حين هدد هتلر باجتياح شواطئها). ولانعدام حظنا، جاء الوباء بعد سنة من التوتر السياسي ومشاعر النبذ والاتهامات المتبادلة بالخيانة. يكفي أن نذكر الاتهامات عديمة الاساس بان نتنياهو “خائن” لانه اقر للألمان بيع غواصات للمصريين؛ فالألمان الذين تبرعوا بالغواصات لاسرائيل لم يكونوا يحتاجون حقا لاذنه. وكان بوسع المصريين ان يشتروا الغواصات من مصدر آخر. ومن الجهة الاخرى لم يكتفِ اليمين بانتقاد حاد، ومبرر، واتهم “بالخيانة” قيادة الوسط – اليسار في اسرائيل، بسبب خطة بعض من قيادة أزرق أبيض الموحدة للاعتماد على “المشتركة” وجعل الناخب العربي المحكم الدائم بين اليمين واليسار من خلال انتخابات مباشرة لرئاسة الوزراء.
ان الوطنية كفيلة بان تتغلب على خطاب النبذ هذا. ولكن هل يوجد مجال للامل ايضا حين يدور الحديث عن مكانة العرب مواطني اسرائيل وقيادتهم السياسية، التي كانت عرضة لهجمات حادة من نتنياهو في الانتخابات الاخيرة؟
ولكن الحقيقة هي أن مواطني اسرائيل العرب يصوتون بالفعل لقيادة تشكك بحق تقرير المصير لليهود. وهذا يجب أن يؤدي، ليس في مصلحتنا جميعا – يهودا وعربيا – الى مواجهة على نمط 2001 في مسألة الولاء للدولة. ان تحدي القيادة العربية، والازمة العميقة للقومية العربية، بما فيها الفلسطينية، ومقابل ذلك عملية الاسرلة للعرب في اسرائيل – كل هذه ستلزمهم أخيرا لأن يختاروا بين اسرائيل والقيادة التي تجذبهم نحو فلسطين الكاملة. لدولة اسرائيل توجد مصلحة واضحة لتقريبهم منها، ولكن ايضا لأن توضح لهم بان التشكيك بالدولة اليهودية ليس ممكنا.
بروفيسور محاضر في معهد بن غوريون لبحوث اسرائيل والصهيونية في جامعة بن غوريون في النقب