"حياة هشة".. قصص وشهادات للكاتب جروان المعاني
الغد-عزيزة علي
في كتابه حياة هشة – يوميات كاتب غير مرموق"، للكاتب جروان المعاني، لا يدعي المؤلف البطولة ولا يسعى للنجومية، بل يقدم نفسه كصوت هامشي، لكنه واع، يراقب التحولات بعين ناقدة، ويقف عند مفترقات الهوية، والثقافة، والانتماء، مسلطا الضوء على هشاشة الواقع الذي نحياه، ومعرفا ذاته ككاتب "غير مرموق" في زمن تحولت فيه النجومية إلى سلعة، والأدب إلى منافسة استهلاكية.
"حياة هشة"، الذي صدر عن دار جفرا ناشرون وموزعون، هو مجموعة قصص وشهادات صادقة تتحدث عن التغيرات التي عصفت بالمجتمع العربي، والتحديات التي تواجه الثقافة، واللغة، والمعنى في عصر ما بعد الحداثة وما بعد الرقابة، وما بعد الأبوة.
وجاء في كلمة الغلاف: "لا تكاد تدرك ما أحدثته تكنولوجيا وسائل التواصل، حيث الهجوم من عالم ما بعد المادة وما بعد الأخلاق على مجتمع رعوي ريفي فقد السيطرة على نفسه، فانهارت منظومات حياته كافة، ولم يبقَ له سمة سوى التبعية.
يتكون الكتاب من مجموعة قصص كتبها المؤلف، كما يشير في قصية بعنوان "باختصار"، يرى أن عالم الكتابة واسع جدا، واختلفت مشاربه، لكنها، برأيه، يجب أن تصب جميعا في خدمة الإنسان. ومع تنوع الأساليب والتصنيفات، يؤكد المعاني أن الألفاظ المستخدمة تعكس مبادئ الكاتب وأخلاقه، مشددا على أهمية إدراك الكتاب لتفاوت قدرات القراء الذهنية، رغم قلتهم.
ويشير الكاتب إلى أن التجنيس الأدبي عند العرب كان ينقسم تقليديا إلى الشعر والسرد، ومع تغير الأحوال، تعددت أشكال الشعر، وتنوعت أنماط السرد، وظهرت مدارس تؤيد هذا وترفض ذاك، مما أدى إلى مزيد من التداخل بين الأجناس الأدبية. ويضيف أن لكل فن من فنون الكتابة مؤيدين ورافضين.
كما يتطرق إلى القيود التي طالما كبلت الكتاب، التي كان يعالجها الضمير ومقص الرقيب. لكن، ومع التغييرات العالمية التي رافقت صعود الإنترنت، تبدلت القيم والأخلاق، وأصبح الضمير مسألة نسبية، ولم يعد الرقيب مؤثرا. وفي ظل إساءة كثيرين لاستخدام وسائل التواصل، ظهرت أشكالا جديدة من الهدم والاقتتال. ويقارن الكاتب بين ما كان يعرف سابقا بالمعارك الأدبية، كما في زمن الفرزدق وجرير والعقاد وطه حسين، وبين ما يشهده اليوم من إسفاف في اللغة وسقوط في الذوق، حتى أصبح أدب الأديب غير كاف لتقييم ما يكتبه.
ويعبر المعاني عن أسفه لحال الكتاب، الذي أصبح "محزنا" رغم وفرة الإنتاج، إذ قل عدد القراء، وهيمنت الكتب الإلكترونية على الورقية. كما تراجع احترام الألقاب والتسميات، فصار لقب "أديب" أو "شاعر" أو "صحفي" يمنح بلا معايير، وانتشرت الشهادات الفخرية التي تمنحها جهات تفتقر إلى أدنى مؤهلات المصداقية. حتى النقد الأدبي – كما يقول – وصل إلى حافة الانهيار.
يرى المؤلف أن الأمة العربية تمر بأسوأ حالاتها، على المستويات كافة: الثقافية، السياسية، والاجتماعية. ويعتبر أن الأخطر من بينها هو الانهيار الاجتماعي، حيث فقدنا القدرة على التوازن بين الواقع والمأمول، وتعمقت الفجوة داخل الأسرة والعشيرة، مما انعكس سلبا على مفاهيم مركزية في حياتنا، كالأبوة، والأمومة، والوطنية، والإنسانية، التي وصلت – كما يقول – إلى أدنى مستوياتها، حتى أن الحرب في قرية ما لا تحرك مشاعر القرى المجاورة.