الغد
يكتب الصديق والزميل الدكتور مهند المبيضين نصا يفيض بالحب عن سورية، منطلقا من الهوية البصرية التي اختارتها دمشق للدولة في عهدها الجديد "والذي لا يزال متخما بالالتباسات حسب رأيي".
النص وجداني وفيه من عذوبة الحب والشوق لسورية ما أتفهمه عند الدكتور المبيضين الذي قضى سنوات من عمره في الحفر التاريخي على مهل وبتأن لتاريخ سورية، وتحديدا دمشق في عصور متأخرة، وكثير من رفاق صديقنا المؤابي المؤرق دوما بحب الشام يحملون في ذاكرتهم نوادره وطرائفه ومدهشاته في رحلاته لدمشق وحلب وباقي المدن السورية في سنوات مضت "قبل المقتلة السورية" وجرأته في استنطاق الحكايات المروية من الناس هناك، مدفوعا بمحبة خالصة وإعجاب بل انبهار بالشام وأهلها، وهذا يلخصه مقاله المذكور المنشور في الدستور الغراء قبل أيام، كما حضرت في كتب ودراسات تاريخية كتبها الدكتور مهند المبيضين.
بعيدا عن السياسة، فأنا من المتفقين مع تيار الدكتور المبيضين أننا في الأردن الأقرب وجدانيا للشام وسورية، كما فلسطين ولبنان، وأن منظومة "بلاد الشام" لها كينونة لم تجد صيغتها يوما كدولة موحدة لكنها كانت دوما تقفز فوق حواجز القطرية الضيقة والحدود حتى في أشد الأزمات السياسية.
النص الساحر والجميل للدكتور مهند، ورغم كل عذوبته إلا أنني قد لا أتفق معه في ذلك النقد الناعم المجبول بعتب المحب للهوية البصرية، فهذا شأن سوري أولا، وله حساباته السياسية التي ربما ترى فيها دمشق حضورا لرسائل رمزية مكثفة بعد سنوات طويلة من القمع والإقصاء والعزلة الحديدية "الذي نتمنى أن تنتهي كلها في العهد الجديد".
وبالحديث عن الرمزية في تلك الصورة التي تحدث فيها الكثيرون وخاضوا فيها تفكيكا وتركيبا، لكن أكثر ما لفتني وأتمنى ان يكون مقصودا هو تغيّر الجهة التي يدير فيها العقاب رأسه، بدلا من يساره كما في النسر المندثر من ذاكرة الدولة، ينظر العقاب إلى يمينه متجها نحو الغرب وقد تشبث بمشرقه على الأرض، وهذا في قراءتي دلالة انفتاح على العالم، وتغير جذري في مجمل السياسة السورية.
الهوية البصرية هي كل ما سيراه السوريون على وثائقهم وأوراقهم في مقبل الأيام والسنين، ومن حقهم أن يحلموا بتحليق عالٍ يمثله العقاب بدون أن يكون جارحا بالضرورة.
وبالعودة لمقال الصديق الدكتور وفيه مجمل ما أتخم فيه من معرفة مكثفة بالتاريخ السوري جديده وقديمه، تذكرت أبياتا للبناني البلعلبكي نجيب جمال الدين، شعرت أنها لسان المبيضين حين يقول:
وقل هي الشــــــــام لا خمرٌ ولا جسدُ
حتى ولا الزينتان المــال والولـــدُ
وقل هي الشــــام كاد الوجد يقتلني
والشـــــــام تحمل وجدي عندما أجدُ
فأمّيَ الشــام كانت مذ أنا ولـــــدٌ
وأمّيَ الشــــــام حتى يهرم الولــدُ
قد تكذب الشمــــس في صبحٍ إذا وعدتْ
وتصدق الشــــــام في صبحين إذ تعدُ.