عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jan-2021

غيومُ سيجارة النائب ورمادها* رمزي الغزوي

الدستور -

 
من يعد إلى سينما الستينات والسبعينات من القرن الماضي؛ سيجد أن السيجارة كانت القاسم المشترك لغالبية المشاهد. فالبطل يدخن حتى في السرير، والأب النزق لا نراه إلا خانقا سيجارة بين اصبعيه، والعاشق يتجلل بسحاب سيجارة لا تنطفئ. فيما سيجارة ممحوقة تلفظ أنفاسها بين شفتي نادل المقهى دون أن يلفظها. ناهيك عن ذلك المحقق الصارم إذ يعبُّ نفساً من سيجارة طازجة ينفثه في وجه المتهم، قبل أن يمطره بموجة أسئلة عاصرة.
اليوم تغيرت الأحوال من هذا الجانب، وغدت أكثر وعيا ومسؤولية. فلم نعد نر في مشاهد السينما أو التلفاز العالمية ما يكرس تلك النمطية البغيضة أو يشيعها أو يحث عليها. لأن غالبية الذين تورطوا بالتدخين وأدمنوه، كان تقليد الممثلين الكبار حافزاً لهم، ومثلا أعلى.
فما زال حاضراً في رأسي ونفسي ذلك الزهو الذي ينتابنا طفولتنا لما كنا تخذ قلم الرصاص سيجارة موهومة بين أصابعنا الصغيرة، نسحب منه نفساً عميقاً بكل تجلٍّ، قبل أن ننفثه بعنجهية طافحة في وجه العالم الصغير.
مشهد النائب الذي أطفأ سيجارته فركاً في سطح مقعده تحت قبة مجلس يمثل مشهدا يقتلني. فهو مأساوي لا يقترفه إلا من كان موقنا وواعيا بأنه فوق القانون، وأنه لن يلاحق أو يكون في دائرة المساءلة، كونه يتحصّن بدرع النيابة ويحتمي بها.  
من المؤسف أن النائب لم يعلن عن نفسه حتى الآن، ولم يعتذر حتى بعد أن ملأت تلك الصورة المقززة فضاءنا الافتراضي، وشاعت في مواقع التواصل مثيرة السخط والاستهجان. ومن المؤسف أكثر أن خلف الصورة تكمن إشارة بالغة الخطورة، تفيد أن المشرّع والمراقب لدينا هو من ينتهك القانون أولاً، ويكسر عنقه ويلويه.
من المؤكد أن ذلك النائب لا يقدم على فعل كهذا في بيته أو بيت أحد مضيفيه، حتى ولو تعذر وصوله إلى منفضة سجائر. ومن المؤكد أكثر أن الفعل بكافة ابعاده لم يثر أية ردة فعل لدى رئاسة المجلس حتى الآن، ولم يثر حتى أؤلئك الذين كانوا في ظل غيوم سيجارته، أو شهدوا سحقها على خشب المقعد.
القوانين لدينا ونمتلك الصارم منها وسيما بخصوص حظر التدخين في الأماكن العامة، وهي تجرم من يخالفها. ولكنها لم تطبق حتى الآن كما ينبغي، مما يفسر التفشي المرعب للتدخين في حياتنا.