الدستور - في الوقت الذي تحقق فيه بعض المؤسسات المعنية بالثقافة انسحابا كليا من المشهد، أو تراجعا على صعيد دعم ورعاية الثقافة والمثقفين، أو ترهلا غير مبرر في الأداء، فإن المثقف الأردني راح يحقق إنجازات مهمة وحضورا لافتا للنظر على الصعيد العربي، ومصداق ذلك يتجلى في دلائل مختلفة، منها تلك الجوائز العديدة التي نالها مبدعون أردنيون في الفترة الأخيرة، بخاصة في حقل الرواية.
الباحث الدكتور هيثم سرحان كان نال جائزة «ابن بطوطة لأدب الرحلة 2019»، عن تحقيقه لكتاب «نَشْوَة الشَّمول في السَّفر إلى إسلامبول ونشوة المدام في العودة إلى مدينة السّلام»، لأبي الثناء محمود شهاب الدين الآلوسيّ (1802-1854)، وهي الجائزة التي يمنحها «المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق»، والروائيتان الأردنيتان كفى الزعبي وشهلا العجيلي هما الآن ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، وقبل ذلك فاز الروائيون الأردنيون: قاسم توفيق، وهيا صالح، وسناء الشعلان، بجوائز كتارا للرواية العربية 2018، وقبل ذلك شهدنا فوز الروائي إبراهيم نصر الله بالجائزة العالمية للرواية العربية، في دورتها الماضية، كما شهدنا حضورا لافتا للنقاد الأردنيين في لجان تحكيم العديد من الجوائز العربية، كما تابعنا ذلك الحضور المتميز للمبدعين الأردنيين في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2019، والقائمة في هذا المجال طويلة..
كل ذلك تأتى عبر اجتهاد شخصي، وقد انحسر دور العديد من المؤسسات الثقافية بتقديم تهنئة خجولة للفائزين، من دون أن تكلف نفسها (مشقة) إقامة ندوة احتفائية بالفائزين، أو مؤتمر يكمل، تحت الضوء، المشوار الذي قطعه المبدع، منفردا، في الظلام.
والحالة كذلك فإننا نتساءل عن دور المؤسسات الثقافية، في الترويج للمنتج الثقافي الأردني، قبل أن يحقق تلك الإنجازات المهمة، أو بعد أن حققها.
نعرف أن الإبداع، بالمجمل، حالة فردية، والمبدعون، بالمجمل، لا ينتظرون شيئا من المؤسسات الثقافية بقدر أن تتركهم تلك المؤسسات (في حالهم)، غير أن هذه الحالية ليست نموذجية، وليست صحية كذلك؛ فالمبدع في حاجة إلى الدعم المعنوي والأدبي، وربما المادي كذلك، قبل إنجاز مشروعه، وبعده، محتاج أن يشعر أنه (ليس لوحده)، والذي يقول غير ذلك إنما يقوله من باب الزهد فقط، أو من باب فقدان الأمل حيال تلك المؤسسات.
لقد أنجز المبدع الأردني دوره بشكل متميز، وحتى تكتمل الصورة، وتصل الرسالة، (وهي رسالة عظيمة بالمناسبة، تواجه، الإرهاب والغلو والفكر المتطرف، وتعلي من قيم الحق والعدالة والجمال)، فإن على المؤسسات الثقافية أن تقوم بدورها حيال ذلك المبدع، الأمر الذي من شأنه أن ينقل حالة التميز من الخانة الفردية إلى الخانة الجماعية، فهل تفعلها مؤسساتنا الثقافية؟