عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Mar-2023

عراقيل أمام التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

 الغد-كليمان جيبون* – (أوريان 21) 23 شباط (فبراير) 2023

بعد تعليق دام ثلاثة عشر شهرًا، قرر القاضي طارق البيطار استئناف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب (اغسطس) 2020. غير أن النائب العام التمييزي في لبنان، غسان عويدات، كان له رأي مخالف، ولاحق القاضي بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”. وعلاوة على ذلك، شكل قرار عويدات إخلاء سبيل الموقوفين في إطار هذه القضية صدمة شديدة لأهالي الضحايا.
 
* *
“لن ننسى”، “سنلاحقكم إلى أن تتحقق العدالة”، “عار على القضاء”. كانت هذه شعارات نقرؤها على العديد من اللافتات المرفوعة أمام قصر العدل في بيروت. في الخميس، 26 كانون الثاني (يناير) 2023، انفجر غضب العشرات من أقرباء الضحايا، يساندهم ناشطون من المجتمع المدني وبعض النواب، احتجاجاً على عرقلة التحقيق في هذا الانفجار مجدداً، بعد أكثر من عامين ونصف على الحادثة.
بعد تعليق دام ثلاثة عشر شهراً بسبب ضغط سياسي كبير، قرر المحقق العدلي في فاجعة 4 آب (أغسطس)، طارق البيطار، استئناف عمله في كانون الثاني (يناير)، عبر الادعاء على شخصيات عدة، من بينها النائب العام التمييزي غسان عويدات ومسؤولَيْن أمنيين رفيعين “بجرائم القتل (…) معطوفة على القصد الاحتمالي”. ورداً منه على ذلك، قرر عويدات ملاحقة القاضي البيطار بتهمة “التمرد على القضاء” و”اغتصاب السلطة”، وأيضاً إخلاء سبيل الموقوفين في قضية انفجار المرفأ كافة.
بالنسبة لميراي خوري، والدة إلياس، وهو فتى كان يبلغ من العمر 15 عاماً حين قضى في الانفجار، شكل هذا القرار صدمة. وتقول ميراي خلال مشاركتها في المظاهرة: “ليست هذه المرة الأولى التي تحاول فيها السلطات إعاقة التحقيق، غير أن تصرف عويدات يثبت مرة أخرى أن مؤسساتنا القضائية والسياسية فاشلة وفاسدة تماماً”. وترى غيدة فرنجية محامية في “المفكرة القانونية”، وهي منظمة غير حكومية للأبحاث والمناصرة، أن عويدات، بصفته شخصاً مدعى عليه، ليست لديه الصلاحيات اللازمة للإفراج عن أشخاص أوقفهم المحقق العدلي. كما أن قراره يصبح موضع نقاش أكثر لأنه كان قد تم إبعاده عن التحقيق في نهاية العام 2020 بسبب صلة قرابة تربطه بغازي زعيتر، وهو وزير نقل أسبق ملاحق أيضاً في هذه القضية. وتقول فرنجية بغضب: “لا حاجة إلى إجازة في القانون ليدرك المرء أن متهماً في قضية ما لا يتمتع بصلاحية إخلاء سبيل متهمين آخرين”.
أما بالنسبة للنائب ملحم خلف، نقيب المحامين في بيروت سابقاً، والذي شكل رفقة 22 محامياً متطوعاً مكتب ادعاء يمثل اليوم أكثر من 1.400 ضحية للانفجار، فإنه يرى أن قرار النائب العام التمييزي يفتقر إلى السند القانون. ويقول: “هكذا انتهاك صارخ تتصف به جمهورية الموز، أو الأدغال، ولا يمكن قبوله في دولة القانون. يُظهر هذا القرار خللاً وظيفياً حقيقياً يطال القضاء”.
النائب العام “حارس لنظام الإفلات من العقاب”
تتابع غيدة فرنجية: “ما يجري بين القاضي بيطار والنائب العام عويدات يتجاوز كونه نزاعاً، هذه المواجهة تعكس هجوماً جديداً للقوى السياسية على قاض يحاول كسر دائرة الإفلات من العقاب”. وتضيف: “إن نظاماً سياسياً بأكمله يقف خلف النائب العام. كيف يمكن بغير ذلك شرح تنفيذ القوى الأمنية القرار غير القانوني بالإفراج عن المتهمين في غضون ساعات؟”.
شغل عويدات الذي تصفه فرنجية بــ”حارس نظام الإفلات من العقاب”، منصب قاضي التحقيق الأول في بيروت لأعوام، قبل تعيينه نائباً عاماً تمييزاً في العام 2019 من قبل حكومة سعد الحريري. وتواصل فرنجية بالقول: “خلال هذه الفترة، كان عويدات يتخذ قرارات ترمي بوضوح إلى منع مثول مرتكبي جرائم كبيرة أمام القضاء أو تعويض الضحايا”.
في أعقاب أزمة النفايات التي هزت لبنان في العام 2015، أصدر قاضي التحقيق الأول السابق في بيروت في العام 2017 قراراً برد الدعوى لصالح الشركات التي كانت مكلفة بمعالجة النفايات في البلاد على مدى نحو 20 عاماً. وخرجت شركات مثل “سوكليين” و”سوكومي” المتهمتان باختلاس أموال عامة، بلا أي ملاحقات قانونية. ويتصف هذا القاضي بالجمود منذ أصبح نائباً عاماً، على سبيل المثال تجاه المصارف المسؤولة بصورة كبيرة عن الأزمة الاقتصادية التي تهز البلد. وتتابع فرنجية: “في العام 2020، ألغى عويدات قرار القاضي علي إبراهيم بتجميد أصول مصرفية. وهو أيضاً من وضع العراقيل للحيلولة دون أن تطال الملاحقات حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي يُشتبه اليوم بأنه قام بتبييض أموال وبارتكاب جرائم مالية عدة”.
قاض فوق الشبهات
على العكس من ذلك، تصف فرنجية ومحامون آخرون القاضي البيطار بأنه “جاد جداً”، “من دون أي شبهة فساد”، و”لا يترك سوى ملفات قليلة جداً معلقة”. وبعدما استهل مسيرته قاضياً منفرداً جزائياً في شمال لبنان حتى العام 2010، أصبح البيطار مدعياً عاماً استئنافياً في محافظة لبنان الشمالي، قبل أن يرأس محكمة جنايات بيروت في العام 2017. وقد بُنيت سمعة الاستقلالية والنزاهة عنه على خلفية عدة قضايا معقدة، دافع خلالها عن مصلحة الضحايا، على غرار قضية إيلا طنوس. وكانتهذه الطفلة قد تعرضت في العام 2015 -عندما كانت تبلغ من العمر ست سنوات- إلى بتر أعضائها الأربعة على إثر التهاب تأخر تشخيصه، وهو تأخير اعتبره أهل الطفلة خطأً طبياً. وفي العام 2020، حكم القاضي البيطار على مستشفيين خاصين وطبيبين بدفع تعويضات كبيرة لعائلة الطفلة. وبعد عزل القاضي فادي صوان بسبب ضغوط سياسية، انتهى الأمر بتعيين بيطار في شباط (فبراير) 2021 ليتولى منصب المحقق العدلي المكلف بالتحقيق في فاجعة المرفأ في 4 آب (اغسطس).
تحقيق حاسم لمستقبل البلاد
منذ حدوث هذه التطورات الأخيرة، يتجمع عدد أكبر فأكبر من الناس أمام قصر العدل لمساندة القاضي بيطار. وتعلّق غيدة فرنجية بالقول: “إنها لحظة مهمة جداً لثقافتنا، ولمستقبل القضاء، ولمستقبل نظامنا السياسي، والقرارات التي سيجري اتخاذها الآن ستكون لها تبعات على المستقبل”. إلا أن العراقيل أمام التحقيق ما تزال كبيرة، وفق ملحم خلف، الذي قال موضحاً لموقع “أوريان 21”: “استولى السياسيون اللبنانيون على التحقيق الذي وقع للأسف في استقطاب حاد. وبالتوازي، أفضت الاختلالات القضائية والسياسية العديدة إلى إبطائه”.
عدد من الأشخاص المتهمين منذ انفجار المرفأ هم مسؤولون رفيعون، كان قد جرى إخطارهم مسبقاً بالخطر الذي يشكله تخزين نيترات الأمونيوم قرب مناطق سكنية في وسط العاصمة. وبالنسبة لخلف، وبشأن عرقلة التحقيق، فإنه “يجب القول للبنانيين إن بلدهم في حاجة إلى قضاء، لأنه بلا قضاء، لا يمكننا التقدم”. ويدعو خلف، متجاوزاً لبنان، إلى تعزيز “وعي الشعوب”.
العائلات تطالب بتحقيق دولي
على الرغم من خيبات القاضي بيطار، فإن عائلات الضحايا تواصل التعبئة في لبنان، وكذلك في الخارج. أثناء زيارته إلى باريس، شدد بول نجار، الذي فقد طفلته التي كان عمرها ثلاث سنوات ونصف جراء الانفجار، مدعوماً بـ”شبكة مدى” وأيضاً تجمع “لِحَقّي”، على تبعات ثقافة الإفلات من العقاب في لبنان. وقال: “من المهم للبنانيين كافة، وللدول الشريكة كافة أيضاً معرفة ما جرى حقًا. إن نضالنا من أجل العدالة صالح أيضاً لآخرين في لبنان، مثل المودعين الذين تم تجميد أموالهم ولم يعد لهم أي سبيل للانتصاف”.
على الرغم من أن التحقيقات الدولية أظهرت محدوديتها في الماضي، على غرار المحكمة الخاصة بلبنان بشأن التفجير الذي تسبب في مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005، فإن المزيد من الأصوات تتعالى الآن مطالبة بإجراء تحقيق دولي تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقد رُفع طلب أول في حزيران (يونيو) 2021 من قبل تحالف يضم أكثر من 100 منظمة لبنانية ودولية، لكنّه لم يفض إلى نتيجة. وتؤكد ميراي خوري: “دخل التحقيق الوطني الآن في طور الخمود، لهذا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى دعم المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”. وتضيف: “سيسجل التاريخ أي مسؤولين هم الذين خدموا العدالة والحقيقة وأيهم لم يفعل”.
في الانتظار، يعاني تحقيق القاضي البيطار من عرقلة كبيرة. والآن، بعد أكثر من عامين ونصف على الصدمة، لم يحاسب أحد بعد.
*كليمان جيبون: صحفي ومصور مقيم في لبنان منذ العام 2019. متخرج من جامعة بواتييه (فرنسا) وطالب في كلية الشؤون الدولية للعلوم السياسية. عمل بشكل خاص في منظمة قانون المنظمات غير الحكومية للمفقودين ومؤسسة سمير قصير. ترجمت المقال من الفرنسية بديعة بوليلة.