خوف الغياب عن المشهد.. كيف تصنع السوشال ميديا قلقا مزمنا؟
الغد-رشا كناكرية
حدث بعد آخر، وسرعة في المشاركات والأخبار وحتى الترندات، وشعور بأن هناك الكثير من الأمور التي قد تفوتك.. هذا ما يعيشه بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في فضاء العالم الرقمي الواسع.
لحظات بسيطة يبتعد فيها الفرد عن هاتفه ويغيب عن المنصات، تكفي ليشعر أن شيئا مهما قد فاته. هذه الحالة تعرف بمتلازمة "FOMO"، وهي اختصار لعبارة "Fear Of Missing Out"، وتعني الخوف من فوات شيء ما.
مشاعر من القلق أو التوتر ترافق الكثيرين نتيجة اعتقادهم أن الآخرين يستمتعون بتجارب أو فرص أو فعاليات لا يشاركون هم فيها.
وغالبا ما يرتبط هذا الشعور بوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يرى الشخص منشورات وصورا لأصدقاء أو أشخاص آخرين يعيشون لحظات ممتعة وفعاليات متنوعة، فيشعر بالندم أو الإحباط لأنه لم يكن بينهم أو لم يفعل مثلهم.
هذا بالضبط ما تمر به هدى (29 عاما)، إذ تعترف بأنها حين ترى صور صديقاتها في مناسبة أو مكان جديد، تغزوها مشاعر من الإحباط والحزن لعدم وجودها معهن في المكان ذاته.
وتبين هدى أنه مع تخرجها وتعلقها بمواقع التواصل الاجتماعي، وجدت نفسها تتابع الأحداث أولا بأول، وتعيش مشاعر من الندم عندما ترى غيرها يخوض تجارب جديدة وهي لا يمكنها ذلك.
"إحساس إني مش جزء من شيء عم بشوفه بخليني أعيش بتوتر"، تقول هدى معبرة عن استيائها من نفسها، لكن هذا بالفعل ما تعانيه، وهو ما دفعها لإدمان متابعة مواقع التواصل من دون توقف، خوفا من أن يفوتها أي شيء.
هدى ليست الحالة الوحيدة التي تعيش هذه المشاعر، فهناك كثيرون مثلها من رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ بدأت هذه المتلازمة تنتشر بشكل واضح بين الأشخاص على المنصات وحتى في الحياة الواقعية، ما يهدد صحتهم النفسية ويضعها في دائرة الخطر.
وإن نظرنا إلى حال البعض في الحياة الاجتماعية التي نعيشها اليوم، نجد أن هناك من يخشون تفويت أي مناسبة من المناسبات المستحدثة التي بدأت تملأ تفاصيل حياتنا اليومية. وهنا يبقى السؤال: هل ستنتقل متلازمة "FOMO" إلى حياتنا الواقعية؟
ومصطلح "FOMO" ليس جديدا، بل ظهر منذ سنين مضت، وأول من كتب عنه هو الدكتور "دان هيرمان" في مجال التسويق الاستراتيجي العام 1996، حيث لاحظ هذه الحالة أثناء استماعه إلى المستهلكين ومناقشتهم حول المنتجات الشرائية، وأبانوا خوفهم من تفويت فرصة شراء منتج جديد.
بعد ذلك، كتب عنه رجل الأعمال "باتريك ماكجينيس" العام 2004، وهو الذي صاغ مصطلح "FOMO" في مقال نشره في مجلة "هاربوس" التابعة لكلية هارفرد للأعمال.
وانتشر هذا المصطلح أكثر مع التقدم التكنولوجي الهائل وتطور مواقع التواصل الاجتماعي، مثل Facebook وInstagram، نظرا لأن هذه المواقع أصبحت منبعا ومصدرا لآخر المستجدات والأحداث والأخبار المحلية والعالمية، والتظاهرات المختلفة في مختلف بقاع هذا العالم.
بدوره، يبين الاستشاري النفسي والمحاضر الدولي المعتمد يزيد موسى، أن السبب الرئيسي لانتشار متلازمة "FOMO" بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي هو الإفراط في التعرض للمقارنة الاجتماعية.
ويوضح موسى أن منصات التواصل الاجتماعي صارت ساحة مفتوحة لعرض اللحظات المميزة، النجاحات، السفرات، والمناسبات، وغالبا من دون عرض الصورة الكاملة للحياة اليومية، مبيناً أن الدماغ البشري مبرمج بطبيعته على المقارنة، ومع التكرار اليومي لهذه الصور والفيديوهات، يبدأ الشخص يشعر أن الآخرين يعيشون أكثر، ينجزون أكثر ويستمتعون أكثر.
الى ذلك، خوارزميات المنصات أصبحت تعرض للفرد المحتوى الأكثر إثارة، ما يجعل حياته العادية تبدو "أقل قيمة" في عينه، ويولد شعور النقص والخوف من أن يفوته شيء.
ويذكر موسى أن الآثار النفسية والمخاطر التي تسببها متلازمة "FOMO" للفرد عديدة، تأتي في مقدمتها زيادة القلق والتوتر، إذ إن الشخص يبقى في حالة يقظة مستمرة حتى لا "يفوت" خبرا أو حدثا.
وثانيا، انخفاض الرضا عن الحياة، ويبدأ الفرد بالتركيز على ما لا يملكه بدل ما يملكه، وثالثا تشتت الانتباه، فالانتقال المستمر بين المنصات والبحث عن الجديد يضعف التركيز.
إلى جانب ذلك، ضعف العلاقات الواقعية، فالبحث عن المشاركة الاجتماعية "أونلاين" يضعف الارتباط في الحياة الحقيقية، وأخطرها الاكتئاب والشعور بالوحدة بسبب الإحساس الدائم بالتأخر عن الآخرين أو أن حياته أقل إثارة.
ووفق موسى، فإن الحماية من أن يكون الشخص ضحية لمتلازمة "FOMO"، تكون بالوعي بالمشكلة، فأول خطوة أن يدرك أن ما يراه على السوشال ميديا هو صورة منتقاة وليس الحقيقة الكاملة.
ويتابع، ثانيا تخصيص وقت محدد لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي "السوشال ميديا" بدل الفتح العشوائي طوال اليوم، وثالثا عيش تجربة "ديتوكس رقمي" التي تعني الابتعاد لمدة يوم أو يومين عن وسائل التواصل لإعادة ضبط المشاعر.
أيضا؛ ممارسة الامتنان اليومي، وهذا يكون بكتابة 3 أشياء يشعر الفرد بالامتنان لها كل يوم، لتقوية التركيز على ما لديه، وأخيرا استثمار الوقت في نشاطات واقعية مثل الرياضة، هوايات يحبها، لقاءات مباشرة، لأنها تشبع الاحتياج الاجتماعي بعمق أكبر.
وفي إجابته إن كانت متلازمة "FOMO" ستنتقل للحياة الواقعية، يقول موسى "نعم، وهذا بدأ يحدث بالفعل، FOMO لم تعد مرتبطة بالشاشات فقط، بل دخلت إلى الحياة اليومية من خلال المناسبات الاجتماعية، التجمعات، وحتى ظواهر الموضة والمنتجات الجديدة".
وتابع "الناس صاروا يخافون من "الغياب" عن أي شيء قد يعطيهم شعورا بالانتماء أو يجعلهم جزءا من حديث الآخرين. إذا استمر هذا النمط من دون وعي وموازنة، من الممكن أن يتحول لظاهرة اجتماعية واضحة تؤثر على الصحة النفسية العامة للمجتمع".
جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات "إنتاج"، أكدت أن الأردن شهد نموا متزايدا في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مع بداية العام الحالي.
ووفقا للبيانات المتضمنة في التقرير السنوي الصادر عن منصة DataReportal، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت 10.7 مليون شخص، مما يعكس نسبة انتشار بلغت 92.5 % من إجمالي عدد السكان، الذين بلغوا 11.6 مليون نسمة في كانون الثاني (يناير) الماضي.
وأوضحت "إنتاج"، في تصريح صحفي، أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن بلغ 6.45 مليون مستخدم، أي ما يعادل 55.7 % من السكان؛ حيث ارتفع عدد المستخدمين بمقدار 70 ألف شخص خلال 2024، بنسبة نمو 1.1 %، كما أن 5.84 مليون مستخدم تجاوزت أعمارهم 18 عاما، ما يمثل 79.4 % من هذه الفئة العمرية، حيث كانت نسبة الذكور 53.4 % مقابل 46.6 % للإناث.