الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ديفيد شولتز* - (كاونتربنش) 16/4/2025
تشير تعريفات ترامب الجمركية وحربه على التجارة الحرة إلى نهاية التجربة في العولمة التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي مع "اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية" (نافتا) وتفكك الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، فإن السؤال هو ما إذا كانت هذه مرحلة جديدة للرأسمالية، أم أنها جهد غير مجد أو رجعي لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في الاقتصاد العالمي؟
مع مرور الوقت، شغل الماركسيون أنفسهم بمشكلة المراحل التاريخية. عندما كتب ماركس "البيان الشيوعي" في العام 1848، فإنه تصور الرأسمالية وهي تتأرجح على شفا الانهيار. وكان يعتقد أن الثورة كانت وشيكة. ومع ذلك، ظلت الرأسمالية باقية -تتطور، تتحول، تتكيف وتقاوم زوالها.
بحلول أواخر القرن التاسع عشر، أعادت شخصيات، مثل إدوارد برنشتاين وروزا لوكسمبورغ، إشعال النقاش. هل كانت الرأسمالية تقترب من نهايتها، أم أنها تمتلك قدرة لا حصر لها على تدبر أمورها وتجاوز الأزمة؟ وتمحورت أطروحاتهم حول السؤال الأساسي نفسه: أي مرحلة من مراحل الرأسمالية هي التي نحن فيها؟
ثم، في العام 1917، قام فلاديمير لينين بتأليف "الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية". وادعى أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة -مرحلة لم تعد تتمحور حول الإنتاج الصناعي، بل يهيمن عليها رأس المال. وشهدت هذه المرحلة احتلال البنوك مركز الصدارة، وتوسع الإمبراطوريات الاستعمارية، وتقاتُل القوى العظمى من أجل النفوذ العالمي والمكاسب الاقتصادية على حساب الآخرين.
الآن، أصبح عمر عمل لينين أكثر من قرن من الزمن. فهل ذهبنا إلى ما بعد الإمبريالية منذ ذلك الحين؟ الجواب هو، كما يمكن القول: نعم. بحلول التسعينيات، تحول الاقتصاد العالمي مرة أخرى -من الإمبريالية إلى العولمة.
احتفظت هذه العولمة الجديدة بمركزية رأس المال المالي، لكنها أعادت تشكيل مشهده. وكما وصف المشهد كاتب "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، أصبح العالم "مسطحًا". تآكلت الحدود الوطنية، وتكاملت الاقتصادات بشكل متزايد واندمجت عبر الحدود. كان هذا نظامًا عالميًا ما بعد وطني، وشديد الترابط.
مع ذلك، واجهت العولمة صدمات. وكشفت الأزمة المالية للعام 2008 وأزمة اللاجئين السوريين التي بدأت في العام 2011 وجائحة "كوفيد 19" في العام 2019 عن مواطن ضعفها. ودفعت هذه الأحداث إلى ظهور دعوات إلى إبطاء الحراك المالي وإعادة تأكيد الحدود الوطنية. ولم تمت العولمة، وإنما أعيدت هيكلتها.
الآن، مع ظهور الذكاء الاصطناعي، تقف العولمة -أو ما بعد العولمة- على أعتاب تحول آخر. يهدد التغير التكنولوجي بإعادة تعريف الحدود، والعمل، ورأس المال بطرق غير مسبوقة. ومع ذلك، إلى داخل هذه اللحظة، يخطو دونالد ترامب.
يسعى ترامب، من نواح كثيرة، إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إنه يرفض العولمة التي سادت في الأعوام الثلاثين الماضية ويروج لرؤية اقتصادية قومية. وتعمل أجندته على إحياء سياسات القوى العظمى، وتأكيد مناطق النفوذ الاقتصادية، واستخدام القوة المالية الأميركية لتعزيز المصالح المحلية.
تعكس هذه الرؤية، جزئيًا، الإمبريالية التي وصفها لينين. تهدف الترامبية إلى تفكيك عناصر العولمة واستعادة المنطق الرأسمالي السابق حين كانت الولايات المتحدة في قلب الرأسمالية الدولية. ولكن هل يمكن للمرء حقًا أن يلغي هياكل التكامل العالمي؟ وبالإضافة إلى ذلك، هل يمكن للولايات المتحدة أن تظل قوة اقتصادية مهيمنة إذا انسحبت وانزوت مبتعدة عن الاقتصاد العالمي؟
هل تمثل الترامبية مرحلة أخرى من مراحل الرأسمالية؟ هل هذا جهد جديد يتم بذله لإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي من منظور قومي في عالم يتم فيه محو الحدود المادية واستبدالها بأخرى رقمية؟ أم أن هذا مجرد جهد تبسيطي لإعادة الولايات المتحدة إلى وضع اقتصادي عالمي لم يعد موجودًا، ببساطة؟
*ديفيد شولتز David Schultz: أستاذ العلوم السياسية في جامعة هاملاين، ويعد من الأكاديميين البارزين في مجالات السياسة الأميركية والقانون العام. يتميز شولتز بخبرته الواسعة في تحليل السياسات الانتخابية، والقانون الدستوري، والعلاقات بين السلطات في النظام السياسي الأميركي. ألف العديد من الكتب والدراسات المحكمة، من أبرزها كتابه "الولايات المتأرجحة في الانتخابات الرئاسية: لماذا تهم عشر ولايات فقط" Presidential Swing States: Why Only Ten Matter. إلى جانب عمله الأكاديمي، يعرف شولتز بمساهماته الإعلامية المنتظمة وتحليلاته السياسية الدقيقة التي تنشر في عدد من المنصات البحثية والصحفية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trumpism: The Highest Stage of Capitalism?