عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Dec-2019

من يسيطر على المنظمات الدولية؟ - دان شيفتن

 

إسرائيل هيوم
 
قرار المدعية العامة في المحكمة الدولية في لاهاي، والذي يتهم اسرائيل عمليا بجرائم حرب، هو عرض لظاهرة أوسع: الاخفاق البنيوي في محافل دولية وهيئات قضائية بشكل عام وفي تلك التي تعنى بالنزاعات القومية بشكل خاص. مثل هذه المنظمات الدولية – القضائية وغيرها – تجتاز بلا مفر مسيرة انحراف بل وحتى تغذية قيمية تشوه من الاساس النوايا الطيبة لمنشئيها.
تكمن المشكلة بالتوتر الذي بين القيم النبيلة التي لأجل تحقيقها تشكلت هذه الهيئات – السلام، التسامح وحقوق الانسان – وبين حقيقة أن معظم الانظمة التي تصمم طريق المنظمات الدولية غريبة عن هذه القيم، تحتقرها وتستخدمها بشكل تلاعبي. كتلة واسعة من الدول ذات أنظمة الحكم المطلق، الشمولي والبربري، التي لا تحترم مجتمعاتها لباب القيم التعددية، تحوز مفاتيح السيطرة على الهيئات الدولية بحكم عددها. ولأجل نيل مكانة ونفوذ في تلك الهيئات ترتبط بها ايضا دول قامعة اقل لخلق اغلبية ساحقة. مثيرة للحفيظة على نحو خاص الشرعية والتعاون مع هذا الميل العام (حتى وان لم يكن مع كل قرار مرفوض وهاذٍ) لدول اوروبا المتنورة، الملتزمة عن حق وحقيق لهذه القيم. في احيان نادرة، في عهد ادارات كادارة جيمي كارتر وباراك اوباما، وفيها ايضا على نحو شاذ فقط، تنزلق في هذا الاتجاه ايضا زعيمة العالم الحر، الولايات المتحدة.
ان الشرعية التي تمنحها حكومات اوروبا ودول متحضرة اخرى للمنظمات الدولية هي قلب المشكلة. لو لم تتعاون معها لكان ممكنا رسم خط واضح بين الانظمة الكريهة والمجتمعات غير المتسامحة، وبين الدول الديمقراطية والمجتمعات المنفتحة.
كان ممكنا التسليم بحقيقة أن الاوائل تسيطر في المنظمات الدولية وتدير سيركا جدير تجاهله واحتقار قراراته، بينما الاخيرة وان كانت تعترف باخطائها وبالخروج المؤسف عن قيمها، الا انها تعرف ايضا كيف تحترم الانجاز الهائل للتمسك بتلك القيم وبالاستعداد للتعلم والتحسن.
غير ان الاوروبيين اختاروا طريقا آخر، وهم يقفون بشكل عام في الجانب المشوه للكفاح في سبيل القيم التي هم انفسهم غرسوها في العالم ويتبعونها في اوطانهم. اضافة الى الدافع الذي سبق أن ذكر – المكانة والنفوذ في المنظمات الدولية، الامر الذي يستوجب التعاون مع كتلة الاغلبية من المتطرفين وحلفائهم – فان للاوروبيين دافعا آخر ومشكوك فيه: تأكيد ميلهم للخداع الذاتي الذي يتجلى في قلب الثقافة السياسية في مجال مكانتهم في الساحة الدولية.
ان طريق اوروبا للتصدي لصدمة الحرب العالمية الاولى، والتي لم تنتعش منها بعد مع الحرج وفقدان التفاؤل ومع عدم الاستعداد للدفاع بالقوة، حتى عندما تحتاج الى ذلك، على انجازاتها الهائلة، هو تصور عالم خيالي. من ليسوا مستعدين للتصدي للعالم كما هو، يتخيلون عالما يجتهدون جدا لإيجاد مكانهم فيه. على خلفية نجاحهم المدوي لأن يحولوا في الاجيال الاخيرة المسلخ الى قارة سلام وحكم القانون، يتخيل قسم مهم وكبير من النخب الاوروبية، بخلاف كل الشهادات والتجربة، عالما يوجد في الطريق الى ذاك الواقع من السلام، التسامح وحقوق الانسان، وهذا العالم تبنيه “الاسرة الدولية” في ضوء “القانون الدولي” من خلال المنظمات الدولية، السياسية والقانونية. ومن يبدي لهم الملاحظة في أن الفوارق الثقافية العميقة بين اوروبا ومعظم المجتمعات في العالم تجعل حلمهم هذيانا، يعتبرونه عنصري. وحقيقة أن سياسة الهجرة لديهم، القائمة على اساس افتراض التكافل الكوني فقدَ ثقة الجمهور في الداخل، فيعتبرونها ميلا الى اليمين المتطرف.
ان المحكمة في لاهاي مصابة بالمرض اكثر بكثير من الامم المتحدة. المشكلة ليست في أن هيئة دولية اخرى تعزو لدولة اسرائيل جرائم حرب. التخوف هو ان تسمح المنظومة القضائية في دول متحضرة، ولا سيما في اوروبا باحترام اوامر الاعتقال من لاهاي وان يستمد مؤيدو الارهاب في العالم – من ايران، حزب الله وحماس وحتى اردوغان وكوربين الرضى من اذلال اولئك الذين يقاتلونهم.