عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Nov-2019

ديفيد هيرست: بريطانيا تواجه انتخابات مصيرية الجميع فيها خاسر ومركز الشيطنة فيها هو كوربن

 

لندن ـ «القدس العربي»: كتب رئيس تحرير موقع «ميدل إيست آي»، ديفيد هيرست، مقالاً عن الانتخابات البريطانية المزمع عقدها في 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل، ووصفها بأنه لعبة خاسرة للجميع. وأشار إلى أن التسامح والنزاهة والديمقراطية غائبة بشكل كبير في وقت تشن فيه حملة تشويه ضد زعيم حزب العمال، جيرمي كوربن.
وهو يرى أن الانتخابات المقبلة ستقرر مصير بريطانيا ولجيل قادم. في وقت تموت فيه الرأسمالية الليبرالية بعدما فشلت في تقديم أجوبة على التغيرات المناخية، فنموذجها للنمو الاقتصادي أدى لتسميم الكرة الأرضية وخلق دورات عنيفة من الازدهار والإفلاس.
ويعتبر هيرست أنها فشلت كنموذج سياسي واجتماعي، ولم يعد ممثلوها قادرين على تمثيل قطاعات واسعة من السكان. ولم يعد بإمكانها ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء والتي تزداد في كل عام اتساعاً. وأثمر النموذج قادة فشلوا في الداخل والخارج ولكن يعتبرون مع ذلك رجالاً ونساء لديهم مواقف رغم فشلهم مثل جون ميجر وتوني بلير وغوردون براون وتيريزا مي والآن بوريس جونسون، أما من يقف أمامهم ويتحداهم فيتم التدقيق بهم و«يشكك بمواهبهم القيادية».
ويتضح تقلص الدولة من عدة أشكال، بما فيها صغر وضعف السلطات المحلية التي تكون أصغر من الشركات التي تشتري الأرض والخدمات العامة الموجودة على الورق، ولكن ليس في الواقع.
ومع انهيار الروح الإجتماعية والمجتمعية، يقول هيرست إنه حلت السياسة التي تقوم على الهوية. ويحل الغضب محل العقل والقرار القائم على الدليل. فهشاشة المجتمع كمتسامح ومتعدد الإثنيات وما بعد الصناعي لا يمكن المبالغة فيها، وهو عرضة بشكل حقيقي للفوضى.
ويرى أن الرهانات التي تحملها انتخابات الشهر المقبل عالية والخيارات خطيرة. فهناك مرشح لن يواصل النظام النيوليبرالي فقط، بل سيعمقه بقوة وفرح بعد تحرير بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويدخل في علاقة تجارية حميمة مع الرئيس دونالد ترامب. أما منافسه الرئيسي فيعد بقلب النظام النيوليبرالي وتقديم تدخل للدولة. وهذا بعيد كل البعد عن الاشتراكية، ولكنه يمثل تغييراً حقيقياً. وسيحصل العمّال على أسهم من شركات أصحاب العمل وسيتم إعادة المنافع في ظل إدارة الحكومة وعقد أخضر ودخل أساسي عام وستفرض ضرائب على الأغنياء.
ويعتبر الرجل الأول، جونسون، معروفاً ومقبولاً لدى المؤسسة الحاكمة لأنه واحد منها، خريج مدرسة إيتون وصحافي ومتخصص في الكلاسيكيات والذي قدم صورة رجل مهلهل الشعر تخفي وراءها هدفاً فولاذياً. وسجله يحتوي على الكذب والعنصرية الصريحة التي عبر عنها في مقالاته الصحافية ويعتبر متلوناً بالنسبة للطبقة الوسطى و«صندوق بريد» بالنسبة للمحافظين ويمكن للمؤسسة التحكم به. وكلام جونسون ليس عشوائياً أو مجرد تعبير عن جهلة، بل هومحاولة للتودد إلى الطبقة العاملة البيضاء، مثلما يفعل ترامب. ويتابع هيرست أنه لا حاجة لدينا للقول إن الرجل الثاني، كوربن، لو قال هذا الكلام عن اليهود لتعرض للسحل منذ وقت طويل. ولكنهم، حسب الكاتب ليسوا في ساحة لعب متساوية. وأهم ملمح للانتخابات الحالية هو عدم التعامل مع المرشحين بنفس المعيار، فالعنصرية مقبولة ويتم التسامح معها بالنسبة لمرشح وغير مقبولة مع المرشح الثاني. كما وثبت كذب جونسون المتكرر. وأهم محطتين في البلد «بي بي سي» والقناة الرابعة ترفضان الاعتراف بهذا وتقومان بنشر أكاذيبه.
أما الرجل الثاني، يقول هيرست، فمقارنة مع شخصية جونسون الملونة فهو متواضع ومبدئي وعنيد ويتم التعامل معه كتهديد وجودي. لو استطاعت المؤسسة منع التصويت لمنعته، لكن ما ستقوم به المؤسسة المكونة من تحالف رجال الأعمال والقانون والسياسة والأمن والمؤسسات الدينية هو منع فوزه.
وحملة كوربن لا تعرف بعمل الحزب بقدر ما يعبر عنها المانفستو الذي تلقاه أعضاؤه بشكل جيد والذين يعتبرون الأكبر عدداً بين أحزاب أوروبا، ولديهم خبرة بالحملات خاصة أثناء المواجهات التي تعرض لها كوربن داخل حزبه. ووصفته مراسلة «هآرتس» الإسرائيلية بـ «المتطرف اليساري ولم يقابل كارهاً لليهود لم يقع في حبه، وهو لم يسمح لمعادة السامية بالمرور دون عقاب، بل ازدهرت تحت قيادته». وقالت إن كوربن لديه ميل للإرهابيين حتى الذين قصفوا بريطانيا أثناء الأحداث في أيرلندا وينتعش على منصة الكراهية والحسد وهو مؤيد من الناحية الأيديولوجية للخروج من الاتحاد الأوروبي. ولكي نكون منصفين، لم يدافع كوربن عن نفسه وحذره محاميه من أنه لو لم يتعامل مع الدعوى في المحكمة العليا ضده واتهامه بالعنصرية من النائبة مارغريت هودج بمقال في صحيفة «الغارديان» فلن ينتهي الهجوم عليه أو يخفف بالاعتذار، وهذا بالضبط ما حدث.
وبدلاً من ذلك تبنى كوربن، مخطئاً حسب رأي هيرست، طريقة دفاع تعتمد على كيس منفوخ جزئياً لتلقي اللكمات. وظن أنه لو قدم نفسه كهدف لين فسيقوم أعداؤه بضرب أنفسهم إلى درجة التعب. وهذا ما لم يحدث بل واصلوا الهجوم عليه.
ويعتقد الكاتب أن الفجوة بين ما يتم تكراره عن كوربن كحقيقة والتشويه المنتشر عنه مهم حتى لو هزم أو أطيح به من زعامة الحزب.
ويرد على تهمة ميل كوربن للإرهاب من معرفته بأيرلندا الشمالية التي عمل فيها خمسة أعوام مراسلاً للغارديان، متسائلاً عن حال مسؤولين آخرين كانوا على علاقة مع الجيش الأيرلندي الحر، فيما أجرى توني بلير محادثات مع مدير المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل. ويتساءل هيرست عن السبب الذي يجعل من بلير بطلاً دولياً وكوربن إرهابياً. ولماذا يعتبر كوربن الذي طرد كين ليفنغستون من حزب العمّال بسبب معاداة السامية معادياً للسامية، وبلير الذي أعاده للحزب ليس كذلك.
ويقول إن حوادث معاداة السامية في ظل إد ميليباند، وهو يهودي هي أكثر مما سجل في ظل كوربن، فلماذا لا يتم ذكر هذا؟ ولماذا تمت شيطنة كوربن لزيارته ثلاث قيادات في حماس اعتصموا في خيمة في القدس ولم تتم شيطنة نائب آخر وهو أندي سلوتر زارهم.
ووصلت ذروة «التخلص من كوربن» بتصريحات الحاخام إفرايم ميرفيس الذي كتب في «التايمز» مقالاً قال فيه إن كوربن لا يصلح لقيادة البلد.
ولقي ميرفيس دعماً من أسقف كانتبري الذي لم يستهدف كوربن وفعل قادة مسلمون وهندوس وسيخ نفس الشيء. ولكن مشكلة ميرفيس أنه لا يمثل كل يهود بريطانيا ونسبتهم 0.5٪ من مجمل السكان. ونصف من يعتبرون أنفسهم يهوداً يذهبون للكنيس و«أنا منهم وميرفيس لا يمثلني». كما أن الحاخام خاض في أمر تحظره القوانين الروحية وحتى تلك المتعلقة بمعاداة السامية، فمن حقه كزعيم يهودي التحذير من سموم العنصرية. ويستطيع عمل هذا كزعيم ديني. وعندما يشجبها كحالة تطال كل الأديان مثل الإسلام والكراهية التي يتعرض لها المسلمون من حزب المحافظين وبالتأكيد تلك الصادرة من فم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فهذا لم يخف كلامه العنصري عندما يتحدث عن المسلمين والقائمة المشتركة ذات التمثيل في الكنيست.
ولكن انتقائية ميرفيس في الهجوم على العنصرية استهدفت كوربن وليس غيره. ويعتبر الكاتبه أنه إذا لم يكن ميرفيس يتصرف كزعيم ديني فعليه الكشف عن ولائه السياسي، هل مع جونسون ونتنياهو؟ وعليه الإجابة على هذه الأسئلة لأن الفارق بين الديني والسياسي مهم جداً، حسب هيرست. وتباع أن هذا هو النقد الذي يقوم عليه الغرب للإسلام السياسي. ويتساءل هيرست، إن كانت معاداة السامية منتشرة بشكل كبير في حزب العمال، فلماذا لم توجه اتهامات لأي شخص. ولماذا لم نشاهد أية محاكمات بمعاداة السامية في المحاكم المدنية. ولماذا تم اعتماد تعريف واسع لمعاداة السامية من دون العودة إلى البرلمان. وكيف نزاوج بين التعبير وحرية التعبير؟ وفي غياب الإطار القانوني يترك الأمر لأي شخص ليقرر ما هو الصحيح أو الخطأ. فقد اضطر الحاخام ماير واينبرغر الذهاب إلى الشرطة بعد تلقيه تهديدات لأنه كتب رسالة عدد فيها مواقف كوربن المؤيدة لليهود.
وقارن هيرست بين منع لطف الرحمن من تسلم عمدية تاور هاملت ـ شرق لندن قبل أربعة أعوام لأنه «مارس تأثيراً روحياً» على الناخبين المسلمين البنغاليين هناك وما فعله الحاخام ميرفيس. ويختم بالقول هذه معركة خاسرة للجميع، كوربن الذي تضررت شخصيته وموقفه الدولي، اليهود الذين توزعوا بين الليبرالية والصهيونية، والمساجد والكنس التي زادت من حماية نفسها بدلاً من دعم بعضها البعض. والخاسر الأكبر هو التسامح والصدق والديمقراطية لأن التشويه يعمل ويظل. وكل واحد خاسر، وهذا ما يحدث في بريطانيا اليوم.