عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2018

مَن سيحكم السويد بدءاً من غد؟*عبدالباسط سيدا

 الحياة-من سيحكم السويد؟ هذا السؤال يشغل بال السويديين، ويقلقهم في الوقت ذاته، وهم في انتظار نتيجة الانتخابات التي ستُجرى غداً، 8 أيلول (سبتمبر) 2018.

 
 
هل ستكون الحكومة المقبلة حمراء - خضراء بقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يحكم حالياً بمشاركة حزب البيئة، وبالتفاهم مع حزب واليسار؟
 
أم أنها ستكون من نصيب التحالف البرجوازي المعارض، وهو تحالف يجمع بين أحزاب المحافظين، والوسط، والليبرالي، والديموقراطي المسيحي؟
 
وما هو الدور الذي يمكن أن يضطّلع به حزب ديموقراطي معروف بمواقفه السلبية من قضايا الهجرة والمهاجرين، والداعي إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي، والتركيز على المصالح السويدية أولاً؟
 
فهناك نمو لافت في القاعدة الجماهيرية لهذا الحزب. وهو اليوم يعتبر في بعض استطلاعات الرأي الحزب الثاني، وفي بعضها الآخر الحزب الأول من جهة التأييد في أوساط الناخبين المحتملين. هذا مع العلم أنه كان قبل نحو عشر سنوات حزباً هامشياً، يسعى بكل إمكاناته من أجل تجاوز حاجز الـ4 في المئة لدخول البرلمان.
 
ولهذه الظاهرة التي لا تقتصر على السويد وحدها، بل تشمل العديد من الدول الأوروبية الأخرى، أكثر من تفسير.
 
فهي من جهة، تُعد في مثابة ردود أفعال من جانب السويديين على إخفاق الحكومات المتعاقبة في إيجاد الحلول الواقعية المقبولة للعديد من المشكلات التي يعاني منها نظام الرفاه المعتمد، ومنها مشكلات في ميادين الصحة ورعاية دور العجزة ورياض الأطفال، والوضع المعيشي للمتقاعدين، والتعليم والسكن، وقضايا الاندماج. هذا إلى جانب موضوع الهجرة، والمخدرات، وتزايد مستوى الجريمة، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة التحديات، ومعالجتها كما ينبغي.
 
فهذه الأمور، وغيرها، دفعت بكثر من السويديين إلى تجاوز ستار الخجل، الذي كان يحول سابقاً دون إعلان مساندة هذا الحزب مجاهرة، والانضمام إليه، والترشح باسمه في مختلف الانتخابات المحلية على مستوى البلديات والمحافظات، والانتخابات المركزية على مستوى البرلمان، بخاصة من جانب الأكاديميين، والمتميزين في المجتمع.
 
وربما هناك تفسيرات أخرى، تلقي المزيد من الضوء على ظاهرة تصاعد درجة التأييد للأحزاب القوموية، والانعزالية العنصرية، وخطابها الشعبوي، في العديد من دول أوروبا الغربية.
 
لكن الأمر الذي يحتاج إلى التوقف عنده هنا أكثر من غيره يتمثّل في الأزمة البنيوية التي تعاني منها الديموقراطية الغربية بصورة عامة في وقتنا الراهن، لا سيما بعد التحولات العميقة التي شهدتها المنظومة القيمية.
 
فبرامج وحجج الأحزاب المتنافسة في هذه الانتخابات بوصفها التجسيد الأوضح للحكم الديموقراطي باتت مكررة، مملة، لا سيما في مناخ عدم وجود زعامات كاريزماتية، تكون مشاريعها عادة أشبه برسائل أخلاقية، تعبر عن القيم الإنسانية التي استلهمتها الديموقراطيات الغربية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
 
فالحياة الديموقراطية المعاصرة في الغرب باتت مجرد وعود انتخابية لا تنفذ في معظمها، وصناديق اقتراع تعمل الأحزب المتنافسة على الفوز بنتائجها حتى ولو دفع ذلك بها إلى تبني سياسات، وبرامج انتخابية، لا تنسجم مع أيديولوجياتها، ومع ما كانت تلتزم به من قيم.
 
وقد أدّى ذلك بالكثير من الشباب إلى الابتعاد من السياسة، والبحث عن فرص أفضل لمستقبلهم في مجالي العلم والعمل. وأصبحت السياسة مهمة من هم أقل نجاحاً في المجتمع. أو أنها باتت بصيغة ما وراثية، وذلك بفعل المناخ العام السياسي ضمن الأسرة، وتأثير ذلك في الأبناء الذين قد يستمرون في طريق آبائهم وأمهاتهم، مستفيدين من شبكة العلاقات، والمفاتيح المجتمعية والإعلامية والحزبية، التي تمكّنهم من بلوغ المواقع المؤثرة بيسر أكثر، وسرعة أكبر.
 
ومن نتائج هذه الوضعية وتفاعلاتها أوروبياً على مستوى كل دولة، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي ككل، ما نشهده من ضعف وترهل في واقع الأنظمة الحالية، فهي لا تستطيع اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. وهذا ما يفسح المجال أمام القوى الشعبوية لاستغلال الفرص، ودغدغة المشاعر القوموية المتطرفة، مستفيدة من الأخطاء التي رافقت عمليات استقبال المهاجرين، وأخطاء الاتحاد الأوروبي في التعامل مع هذه القضية بروحية التفاهم والتشارك في تحمّل المسؤوليات.
 
كما أن حالة التشنج والتوتر التي تسود المناخ الدولي في الجانب المتصل بالتشدد الإسلاموي، والعمليات الإرهابية التي كانت في أكثر من دولة أوروبية بما فيها السويد، ذلك كله ساهم في بلورة مواقف متعارضة متناقضة حول مختلف القضايا، بل دفع أحياناً ببعض الأحزاب المعروفة بتوجهاتها غير العنصرية إلى تبني بعض الأفكار والممارسات التي تروّج لها القوى العنصرية، وذلك من أجل وضع حدٍّ للنزيف الحاد الحاصل في شعبيتها لمصلحة المتشددين.
 
لكن على رغم كل شيء، يظل النظام الديموقراطي أفضل من النظام الديكتاتوري في كل أشكاله، وفي جميع الأحوال. هذا مع الأخذ بالاعتبار مسألة عدم قدرة الأنظمة الديموقراطية الأوروبية راهناً على مواجهة التحديات التي يفرضها عليها إصرار روسيا على أداء دور القوى العسكرية العظمى على حدودها. هذا بينما تصرّ حليفتها التقليدية الولايات المتحدة الأميركية على إعطاء الأولوية لمصالحها قبل أي شيء آخر. وقد كانت الإجراءات الجمركية التي اتخذتها الإدارة الأميركية في عهد ترامب في مواجهة الصادرات الأوروبية، إلى جانب الضغط على الأوروبيين لإجبارهم على رفع ميزانياتهم العسكرية. ذلك كله دفع، ويدفع، بالمسؤولين في الدول المعنية، وبالباحثين في مجال العلوم السياسية، إلى التمعّن جيداً في الوضعية الراهنة بقصد معرفة مواطن الضعف لتجاوزها، واعتماد آليات ومحدّدات جديدة تثير اهتمام الشباب، وتجذب المزيد منهم إلى العمل السياسي في مختلف الأحزاب التي تحرص على وضع مسافة بينها وبين الاتجاهات اليمينية المتطرفة.
 
ولكن الأخطار تبقى، بخاصة إذا ساءت الأحوال الاقتصادية، وارتُكب المزيد من الأعمال الإرهابية الموجهة ضد المدن الأوروبية، فحينئذٍ ستحظى النزعات الشعبوية القوموية المتطرفة بمزيد من التأييد والانتشار، الأمر الذي ينذر بمستقبل قاتم، يتقاطع بهذه الصورة أو تلك مع الوضعية الأوروبية في مرحلة ما بين الحربين العالميتين، وهي المرحلة التي يبدو أن الأجيال الأوروبية الجديدة تجهل أهوالها ومآسيها وتبعاتها.
 
* كاتب وسياسي سوري