عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Aug-2020

3 أطفال من شرقي القدس اطلقت عليهم النيران - بقلم: نير حسون

 

هآرتس
 
يوم الخميس الماضي قبل الماضي، في ساعة مبكرة مساء، في بيت عائلة زلوم في وسط سلوان. العم حسني الذي كان مع ابنة شقيقه، حنان ابنة 4 سنوات، كان على وشك الانتهاء من صلاة المغرب. عندها سمع ضجة غريبة، صوت إطلاق نار، وخلفه تأوه صامت. وقد وجه نظره الى الخلف وشاهد حنان مستلقية على الأرض في الشرفة وحولها بركة من الدماء. “اعتقدت أنها وقعت”. “لكني رأيت أن كل شيء ملطخ بالدماء. زلوم حمل الطفلة وركض الى عيادة صندوق المرضى القريب من بيته. وهناك سارعوا الى استدعاء سيارة اسعاف التي تم استبدالها في الطريق بسيارة العناية المكثفة. هذا لم يساعد، موت حنان تم تحديده بعد فترة قصيرة من ذلك في مستشفى شعاري تصيدق. سبب الوفاة: رصاصة اطلقت على رأسها ولا أحد يعرف من أين جاءت ولماذا.
السكان في شرقي القدس اعتادوا على صوت اطلاق النار بين الحين والآخر بدون تفسير. ولكن في الاسابيع العشرة الاخيرة يشهدون ظاهرة جديدة ومخيفة، وربما أن الامر هو بالصدفة: رصاصات طائشة اصابت رؤوس الاولاد الثلاثة، بنتان عمرهما 4 سنوات وولد عمره 9 سنوات. لا أحد يعرف من الذي اطلق النار ومن أين ولماذا. إلى جانب انتقاد داخلي في المجتمع الفلسطيني في المدينة، في كل ما يتعلق بحيازة السلاح واستخدامه، يوجد ايضا من يتساءلون ما الذي تفعله شرطة إسرائيل في هذا الشأن، ولماذا لم يتم اعتقال أي مشبوه. في الشرطة يقدرون بأن مصدر حالتين هو من خلف الجدار، وربما حتى من مناطق السلطة الفلسطينية. إن ضعف الأجهزة الأمنية هناك، قالوا في الشرطة، هو أمر ملموس. وحتى الآن عائلات المصابين تتساءل ما الذي كان سيحدث لو أن أحد الاولاد الذين اطلقت النار عليهم كان يهوديا.
إحدى هذه العائلات هي عائلة قراعين من العيسوية، الأولى في سلسلة هذه الاحداث. في 21 أيار (مايو) الماضي، مثلما في كل مساء في شهر رمضان، اجتمع أبناء العائلة في شرفة البيت، ورفيف ابنة 4 سنوات، جلست بين الجد والجدة. وحولهم كان هناك عشرة أشخاص آخرين من أبناء العائلة. فجأة سقطت رفيف على الأرض. ولم يسمع أي من المحيطين بها صوت إطلاق نار. الجد محمد أبو ريالة يذكر فقط صوت طرقة صغيرة مثل طرقة الحجر.
والدها سارع الى نقلها الى مستشفى هداسا العيسوية. “لقد بكت، لكن بكاءها كان ضعيفا وكأنه يصعب عليها ذلك”، وصف الأب واضاف “لقد اعتقدت أن حجر اصابها”. في المستشفى اخذوها للتصوير. “التقيت هناك مع صديق لي قال لي بأن هذا ربما يكون رصاصة، لم افهم عما يتحدث”، تذكر الأب محمد قراعين. “ولكن عندها جاء الطبيب وسألته ماذا حدث، لكنه صمت. مسكت يده وسألته هل هي رصاصة؟ فقال لي نعم”. رفيف تم علاجها مدة 15 يوم في حالة خطيرة جدا الى أن توفيت متأثرة بجراحها. وحسب نتائج التحقيق كانت هذه رصاصة طائشة، رصاصة اطلقت في الهواء من مسافة بعيدة عن بيتها واخترقت أعلى رأسها. الآن يفهم الجد أبو ريالة مصدر الصوت الصغير الذي سمعه. “كان هذا كسر العظم في رأسها”.
رصاصة من السماء
في الوقت الذي لم يكن فيه أي مشبوه للشرطة عن الحادث، فانه في اوساط سكان العيسوية كان هناك شك من نوع آخر (حتى لو كان لا يتفق مع النتائج)، بأن الطفلة سقطت ضحية نزاع قديم بين العائلات. نزاع تركته عائلة قراعين خلفها قبل سبع سنوات تقريبا. بداية هذا النزاع لم تكن في العيسوية، بل في سلوان، حيث كانت تعيش في حينه عائلة قراعين الموسعة. في تلك الايام حدث خلاف موضوعه درج في بيت العائلة. “والدي قال إنه من اجل تهدئة الوضع سنقوم بازالة الدرج، رغم أن اخوتي وأنا عارضنا ذلك”، قال محمد قراعين. “اتفقنا على ازالته خلال عشرة ايام. وبعد سبعة ايام قتل والدي طعنا في قلبه”.
القاتل حسب اقوال قراعين وآخرين في سلوان، كان أحد أبناء عمي. وقد اعتقل ولكن اطلق سراحه بعد 18 يوما بسبب نقص الادلة. الثأر لم يتأخر. شقيق محمد اطلق النار عليه وقتله. 21 رصاصة. وقد تم القاء القبض عليه وحكم بالسجن المؤبد. محمد وعائلته قرروا الابتعاد. انتقلوا الى العيسوية، الى بيت عائلة زوجته. “لو أن الشرطة قامت بعملها ولو تم وضع القاتل في السجن لكان الامر انتهى”، قال محمد واضاف “الثأر الذي قام به أخي لم يكن ليحدث ولما كنا الآن نعيش في العيسوية”.
ولكن باستثناء كارما، فان محمد لا يعتقد أنه توجد علاقة بين الاحداث. منذ ذلك الحين العداوة تجمدت و”لا أحد يستطيع أحد اطلاق رصاصة في الهواء دون أن يسمع”. ايضا في الشرطة يعتبرون أن اطلاق النار جاء من مكان آخر. زاوية الاصابة اظهرت أن الرصاصة التي خرجت من بندقية ام16 سارت مسافة طويلة، كما يبدو من مخيم شعفاط للاجئين، الذي يبعد نحو 1200 متر ويقع خلف جدار الفصل. ولكن الجميع لا يوافقون على هذه النتيجة. خبير مقذوفات مستقل قدر بأنه يوجد احتمال بأن تكون الرصاصة اطلقت من وراء جدار الفصل. ولكن حسب قوله، معقول اكثر الافتراض بأنها اطلقت من مسافة اقرب. النتائج الرسمية لا تفاجيء قراعين الذي قال “توجد لي شركة مواسير. واذا كان هناك تسرب للمياه فأنا بشكل تلقائي اقول إن الوضع لدينا جيد وأن المشكلة توجد لدى شخص آخر، هكذا تسير الأمور”.
رسميا التحقيق ما يزال مفتوحا. وفي الأيام الأخيرة بعد وفاة زلوم، عاد محققو الشرطة الى شرفة عائلة قراعين، هذه المرة مزودين بطائرة مسيرة في محاولة للعثور على مصدر اطلاق النار. ولكنهم في العائلة مقتنعون أن هذا اصبح متأخرا جدا. “لو أن هذا حدث في رمات اشكول أو في أي حي آخر لكانوا سيلقون القبض على الفاعل. أليس كذلك؟”، سأل قراعين. والجد اجابه على الفور: “كانوا سيقلبون العالم من اسفل الى اعلى من اجل القاء القبض عليه”.
اطلاق نار مسجل
قصة عائلة قراعين تبدو معروفة لابناء عائلة جابر. قبل عشرة أيام كان جهاد، 9 سنوات، يلعب مع ابناء عمه في ساحة بيته في حي رأس العامود. لحظات تم توثيقها بكاميرا للحماية في المنطقة. هو ظهر هناك وقد انحنى للحظة وسقط. ايضا في هذه الحالة لم يسمع أحد اطلاق نار. ايضا هنا المقذوف خرج من بندقية ام16، ايضا في هذه الحالة اخترق رأسه. “اعتقدت أنه سقط بسبب ضربة على رأسه”، قال الجد جابر الذي نقل الولد الى عيادة ومنها تم تحويله الى المستشفى. عندما وصل الى المؤسسة الطبية تم ارساله فورا الى التصوير. من هناك نقلوه بسرعة على السرير. وسألوني كيف سقط. قلت ربما بسبب اشعة الشمس ولأنه لم يأكل. قالوا لي: هل جننت؟ تعال وانظر. ادخلوني وأروني على الشاشة رأس في داخله رصاصة”. الجد كان مصدوم. “وقعت على الارض وقلت هذا مستحيل. ربما هذا رأس شخص آخر”.
قبل ادخاله الى غرفة العمليات قالوا للجد بأن الولد ربما لا يعيش. واذا عاش فربما يفقد النظر أو القدرة على تحريك اطرافه. مرت ساعات، وعندها جاءت البشرى الايجابية. جهاد جابر، الحفيد الذي سمي على اسم جده، خروج بدون أي خسائر، كما يبدو بدون اصابة بعيدة المدى. الرصاصة اخترقت 12 سم داخل الجمجمة، لكنها لم تخترق الدماغ. “الطبيب قال لي اذهب للتنفس واشكر الله. هذه هي المرة الأولى التي اجري فيها عملية كهذه ولا يكون فيها أي اصابة”، قال. “الله اعطاني اياه من جديد وكأن أمه ولدته مرة اخرى”.
اليوم يمكث الحفيد في مستشفى آيلين للنقاهة في القدس (المحتلة). “لقد تم ارساله الى هناك بسبب التداعيات بعيدة المدى للاصابة برصاصة في الرأس”، قال دكتور غاي اليئور، المختص في الاعصاب في مستشفى هداسا والذي أجرى له العملية. ولكن اليئور متفائل ويقول إنه من هداسا خرج جابر بوعي كامل وبوضع جسدي جيد، وكان يسير بنفسه.
لم يكن لحنان زلوم مثل هذا الحظ. في اليوم التالي لاطلاق النار على رأسها تم اقامة خيمة عزاء في المكان الذي اطلقت النار عليها فيه في شرفة منزلها. في يوم الاحد الماضي كانت الخيمة مليئة بالمعزين. الوالد ياسين جلس بين الحضور لكن كان يصعب عليه الحديث. عندما حاولوا أن يسألوه عن ابنته، لم يتحمل وغادر المكان. “ما الذي يمكن قوله عن طفلة صغيرة؟”، قال العم حسني، الذي كان بقرب حنان عندما أصابتها الرصاصة. ومثلما هي الحال في الحالات الاخرى ايضا هنا لا أحد يعرف من أين جاءت الرصاصة. “طوال الوقت يطلقون النار هنا”، قال أحد الجيران، مصطفى، عن روتين الحياة في الحي، “أنت تسمع ضجة ولكنك لا تعرف من أين جاءت”. واضاف “يوجد في الدولة شرطة وهي التي تعرف”.
انتقاد مزدوج
هذا الغضب على الشرطة الذي يكرر نفسه في بيوت العزاء وإن كان بصور مختلفة قليلا، هو فقط جزء من الصورة الانتقادية. الكثيرون في شرقي القدس يوزعون التهمة على موت الاطفال بين اسرائيل مرضى مجتمعهم. “من يملك سلاح يجب التعامل معه”، قال في يوم الجمعة قبل الماضي جد حنان، سفيان النتشة، عندما وقف امام جمهور المعزين. “على الوجهاء أن يعالجوا هذا الأمر. كل من يشاهد ابنه يحمل السلاح يجب عليه معاقبته. طفلة ابنة اربع سنوات ذهبت هباء”.
هذا الربط لم يتم القيام به فقط في اوساط عائلات الضحايا. “هذا عجز للشرطة، وكذلك عجز للوجهاء في القرية، الذين لم تعد لهم كلمة وليس هناك تعليم للشباب”، قال داود صيام، أحد سكان سلوان والناشط الاجتماعي. واضاف “من جهة اخرى نشأ لدينا وضع معقد. انت لا يمكنك الاشتكاء على جارك بأنه يوجد لديه سلاح لأنهم سيقولون بأنك عميل”. وفي المقابل “الناس لا يشعرون أن الشرطة تحميهم. هم يريدون أن تدخل الشرطة اكثر عمقا، يريدون أن يحصل الاشخاص على مخالفات على حيازة السلاح وليس مخالفات على عدم ارتداء الكمامات”.
في هذه الاثناء، الى أن يحدث ذلك، فان غضب السكان فقط يزداد – في الاتجاهين. “كل من لديه خمسة آلاف شيكل يذهب ويشتري سلاح، ليظهر أن لديه قوة”، قال الجد جهاد جابر. “أين الشرطة؟ ألا يرون ما يحدث؟ لقد طلبت في مرات كثيرة من الشرطة تنظيف المنطقة”.
حتى اذا كان هناك ما يمكن تحسينه، ففي الشرطة يقولون إنه في السنوات الاخيرة حدث انخفاض في استخدام السلاح غير القانوني في شرقي القدس. نائب المفتش العام للشرطة، ايلي كوهين، ضابط التحقيق والاستخبارات في منطقة كيدم، الذي تشمل معظم احياء شرقي المدينة، اضاف بأن الاحداث الثلاثة الاخيرة هي ببساطة مصادفة بائسة. هذا الموضوع يحظى باهتمام كبير ويخصص له الكثير من الموارد وهناك انخفاض كبير في استخدام السلاح وفي عدد الاصابات باطلاق النار”، قال كوهين واضاف “أنا اعد كل مواطن يساعدنا بأن نقدم له الحماية. نحن نرى تحسن في مساعدة السكان للشرطة، ورغبة لدى الشرطة في أن تأتي وتفعل. كل يوم يزداد التعاون، حتى في الأمور التي في يوم من الأيام كان من المفهوم ضمنا أنه لا أمل في التعاون فيها. السكان يريدون منا الدخول والعمل”.
ولكن ليس كل شيء مرتبط بما يحدث في الاحياء العربية في شرقي المدينة والتي تعمل فيها الشرطة، يقولون هناك. في الاحياء داخل الجدار، كما يصفونها، أي معظم الاحياء الفلسطينية في المدينة – يوجد لهم سيطرة استخبارية وسيطرة جيدة. “نحن نقوم بالكثير من الدعاية”، قال كوهين. وهناك ايضا حدث انخفاض في استخدام السلاح.
المشكلة من ناحية الشرطة هي في الاحياء التي تقع خلف الجدار. مثلا مخيم شعفاط للاجئين الذي عرف في السنوات الاخيرة حالات كثيرة جدا لاستخدام السلاح، والسكان فيه يبلغون عن اطلاق نار يومي. ولكن ايضا هنا، قالوا في الشرطة، حدث تغيير الى الافضل، وفقط مؤخرا تم اعتقال 12 شخصا من تجار السلاح، وقدمت ضدهم لوائح اتهام. وقد تم تمديد اعتقالهم حتى انتهاء الاجراءات القانونية.
منطقة اشكالية اخرى هي حي كفر عقب، الذي هو فقط ليس خلف الجدار، بل ايضا تحت سيطرة أمنية اسرائيلية، والشرطة تجد صعوبة في العمل هناك بصورة اعتيادية.
ولكن المكان الذي تشير اليه الشرطة على أنه مكان أكثر تحد من جميع الاماكن هو مناطق السلطة الفلسطينية. فهناك، تقول مصادر امنية، يتم الشعور بتغيير نحو الاسوأ في الاشهر الاخيرة، سواء بسبب ضعف الاجهزة الامنية الفلسطينية أو بسبب تحسن القدرة على انتاج السلاح غير القانوني في الورشات في مناطق السلطة. في الشرطة يعتقدون أن مصدر على الاقل حالتين من الحالات التي ذكرت في المقال (قراعين وجابر) هو هناك. أي أنه ليست تحت مسؤوليتهم.
هذا التفسير لا يرضي عائلة قراعين. هو بالتأكيد لا يساعد اخوة رفيف الذين ما زالوا يجدون صعوبة في فهم ما حدث. “الاكبر بين الستة يسأل طوال الوقت أين رفيف الآن”، قال الأب محمد. “هل هي عصفور؟ هل هي عند الله؟ قبل فترة اعطيته قطع كعك، لكنه سأل: هل رفيف الآن جائعة. والصغير ابن الثلاث سنوات يقوم بملء الماء ويقول: الآن رفيف ستأتي لتشرب.