عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-May-2021

المطبعون واستعارات شاي غولدبيرغ*موفق ملكاوي

 الغد

في وسط العدوان الكبير الذي يشنه الكيان الصهيوني المجرم ضد الوجود الفلسطيني بأكمله، تتبدى بوضوح الجبهات التي تنفرز، اصطناعيا، وليس تلقائيا، بما يمكن تسميتها «السقوط الأخلاقي» في مقابل الثبات على المبادئ.
قبل عقدين، تقريبا، كانت الأخلاق لا تبيح أن يختلف اثنان على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب، ولا ينبغي لأي أحد أن يهمس ضدها، وحتى لو اختلفت مع الفلسطيني نفسه، فينبغي ألا ينسحب خلافك على القضية المقدسة.
لكن هذا الأمر تغير كثيرا لدى مجتمعات عربية عديدة خلال السنوات الأخيرة. اليوم بتنا نرى أشخاصا لا يتورعون عن شتم الفلسطيني وقضيته وأرضه، والجهر بأن «الإنسانية» تقتضي أن ننظر إلى الجلاد والضحية بالنظرة نفسها، وأن الإسرائيلي له الحق في الوجود على الأرض العربية، وربما بأكثر مما يحق للفلسطيني.
جميع السلوكيات التي بتنا نراها ونعتبرها انزياحات سلبية ليست في مصلحة الصراع الوجودي بيننا وبين العدو، كانت ثمارا «طبيعية» لنهج الأنظمة العربية التي ارتمت في الحضن الإسرائيلي، وقدمت مصالحه على مصلحة شعوبها، وسهلت له الطرق كي يتغلغل في جميع مفاصل الحياة اليومية للمواطن العربي.
هذه الأمور أغشت كثيرا من الأعين التي اعتقدت أن تقبّل العدو، والتعامل معه بسلوك طبيعي أو شبه طبيعي، قد يعتبر مظهرا متمدنا، لذلك لم يتورع الكثيرون من أن يصنعوا من أنفسهم أبواقا عالية الصوت يتطوعون من خلالها في جوقة المحتل، إلى جانب «الشيخ أفيخاي أدرعي». إنها مهمة سهلة جدا لمن لا يمتلك أي نوع من المبادئ، كما أنها من الممكن أن تكون مفيدة على الصعيد المادي.
لكن، ترى ما الذي يفكر فيه العدو تجاه هذا النوع من الأشخاص الذين يتخلون عن قضاياهم بسهولة كبيرة، وكيف يرحب بهم في صفوفه وماذا يقول لهم؟
نقل كثير من النشطاء فقرة للكاتب الإسرائيلي شاي جولد بيرغ، يقول فيها «لاحظت أن نسبة العرب الموالين لإسرائيل تتضخم بصورة غير منطقية. أنا كيهودي عليَّ أن أوضح نقطة مهمة: أنت كعربي حين تخون أبناء شعبك بآراء عنصرية صهيونية، فنحن نحبك مباشرة. لكنه حب كحبنا للكلاب. صحيح أننا نكره العرب، لكننا في داخلنا نحترم أولئك الذين تمسكوا بما لديهم، وحافظوا على لغتهم وفكرهم. ولهذا يمكنك أن تختار: إما كلبا محبوبا أو رجلا مكروها محترما».
من خلال هذه الفقرة القصيرة المليئة بالمعنى، يمكن لنا أن نفهم الخيار الذي اتخذه أولئك المغردون في سرب العدو والمسبحون بحمده؛ لقد اختاروا أن يكونوا كلابا محبوبة. هذا شأنهم، فأنت لا تستطيع أن تجبر أحدا أن يتحلى بالشرف والكرامة إن لم يكن ذلك وازعا حقيقيا وقويا في داخله.
إن الفرز الذي أحدثه العدوان الإجرامي على الفلسطينيين، وضع أمام أعيننا كثيرا من الحقائق التي ينبغي لنا أن نتعامل معها في القريب العاجل. إنها حقائق مخزية لا يجوز لنا أن نهملها، تتمحور حول معنى «الأمة» وحقيقة كينونتها.
في كل الأحوال، فإن الفلسطيني ما يزال واقفا فوق ترابه الوطني، ومتشبثا بحقه التاريخي الذي لن يتنازل عنه أبدا. أما أولئك المطبعون والمتراقصون في حضن الشيطان، فإنهم لن يستطيعوا التأثير في مآلات المعركة التي لا بد أن ينتصر فيها الحق.