عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Jan-2019

صالون البوري.. الجلوس على كرسي الأناقة والخضوع لمقصات عميد الحلاقين «ابوبندلي» والإصغاء لرواياته المنعشة

 

عمان-الدستور -  محمود كريشان - حكايتنا العمانية اليوم من اعرق صالونات الحلاقة في وسط المدينة على الإطلاق، وتحديدا في الجهة المقابلة لمطعم هاشم بمحاذاة مطعم فلافل فؤاد الشهير، حيث تقودك الخطى الباحثة عن الاناقة والرقي والجمال، لتكون بمواجهة صالون البوري، الذي يشمخ في مكانه منذ عام 1955 ويقدم خدمات الحلاقة المتنوعة والرشيقة لنخبة من كبار الشخصيات والمسؤولين والاعيان والوجهاء، الذين عرفوا المهارة والخُلق الرفيع الذي يتحلى به عُمدة وشيخ الحلاقين العمانيين ادوار بوري ابوبندلي.
ذكريات
 دروب «الدستور» كانت في الصالون العماني العريق ونبشت ذاكرة حلاق البلد العم ابوبندلي البوري، الذي خالف العُمر وعاد لسالف اعوامه، وهو يسرد جزءا من ذكرياته مع المهنة التي احبها وعشقها منذ نعومة اظافره.. وقال: اعمل في هذه المهنة منذ عام (1957) وكانت البداية هنا في هذا المكان الذي اعشقه بحجم عشقي ومحبتي لاولادي، وكانت جيرة الرضا مع اخي وصديقي المرحوم فؤاد الحوراني ابونادر صاحب مطعم فؤاد وكنا سوية اكثر من اخوة يجمعنا حب عمان الغالية. ويواصل البوري استعادة شريط الذكريات الجميلة ويقول: عمان في الستينيات من القرن الماضي كانت صغيرة لكنها ايضا كانت كبيرة بأهلها، الذين كانوا اشبه ما يكون بالعائلة الواحدة، وكان في منتصف الستينيات نحو (15) صالون حلاقة في عمان، وكان هناك عدد من الزملاء في المهنة منهم من غيبه الموت وارتبطت معهم بعلاقات محبة وصداقة وزمالة محترمة مثل صالح شقير وشيخ الحلاقين العمانيين العم حنا قرموط ابويوسف ونبيل شقير والمحتسب ومروان الكردي وقصيباتي وابوالعبد حجير واخرين.
ويسترسل ابوبندلي في سرد شيء من ذكرياته بالقول: كانت اسعار الحلاقة زهيدة جدا وبـ القروش الحمراء و الشلن و البريزة؛ لكن في ذلك الزمن كانت النقود فيها بركة، والناس كانت متحابة تتكافل في اعانة بعضها البعض.. كان وسط البلد يجسد حقيقة الحركة التجارية، وقد كان يضم ولايزال الاسواق التراثية مثل سوق اليمنية ومنكو وملحس والبخارية وقردن والبلابسة وفيلادلفيا وغيرها.
كبار المسؤولين
 وعن ابرز زبائن صالون البوري يقول ابوبندلي: زبائن الصالون منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وحتى الان هم من نخب المجتمع العماني يتمتعون بعشقهم للآصالة والعراقة ويعشقون المكان ومن ضمنهم: مدير المخابرات الاسبق الباشا محمد رسول كيلاني، والباشا مصطفى القيسي، قائد لواء 40 خالد هجهوج المجالي، وزير الداخلية الاسبق ابراهيم الحباشنة والوزير الاسبق فلاح المدادحة والباشا سليمان الكردي ابوهاني، والشيخ مصطفى العدوان رئيس النادي الفيصلي انذاك، وصبحي جبري، ورئيس الوزراء الاسبق احمد اللوزي، والباشا توفيق كريشان وامين عمان الاسبق المهندس نضال الحديد، والشاعر الكبير حيدر محمود، واشهر اطباء جراحة العظام والمفاصل الباشا الطبيب محمد قاسم الدويري، ومدير عام الراي السابق نادر الحوراني ابوفؤاد وفادي زريقات طبيب الأسنان الشهير مسلم قاسم ونجله الدكتور البارع امجد مسلم قاسم ورجل الاعمال براء قاسم، والكاتب محمد خروب ورئيس الدائرة الرياضية في صحيفة الرأي المستشار امجد المجالي، والاعلامي البارز سالم علي ذياب، وجبر حجات، ونائب مدير اعلانات الرأي عقبة العبادي واخرين. واضاف البوري: عرفت في جميع زبائن الصالون الاخلاق الحميدة والكريمة والتواضع وحب الخير والانتماء الصادق.
سيدنا في الصالون
يقول البوري في مطلع السبعينيات وخلال احداث الامن الداخلي المؤسفة/ ايلول 1970 كنت في ساعات المساء جالسا في الصالون لوحدي والجو كان ماطرا، واذ بالذي يدخل الى الصالون وعندما ازاح لثمة شماغه تبين لي انه جلالة الملك الحسين رحمه الله وكان بمعيته مرافقه الهباهبة وقد جلس الحسين وقال لي كيف الاوضاع..؟.. فابلغته انه ستكون ممتازة بهمة جلالة سيدنا الحسين وان الاستقرار بدأ يعود للبلاد بفضل الجيش الاردني ووعي الشعب.. وقلت: «وها انت ياسيدي بوسط البلد دون حراسة وهذا يؤكد انك دوما حبيب الشعب.. ابتسم رحمه الله وطلب مني ان احضر له «كاسة شاي» وشربها وسألني: هل تحتاج اي شيء؟.. فقلت له: بدي فقط سلامتك والله يحفظك ويحفظ العائلة الهاشمية يارب..»
الكوافير ظاظا
في الصالون العريق ثمة كوافير ماهر ومحترف في فنون الحلاقة والتزيين محمد ظاظا الذي تتلمذ على يد شيخ الحلاقين البوري وقد اصبح محترفا؛ حيث اكد ظاظا ان المهنة تعلمها من معلمه ابوبندلي الذي حرص على تعليمي اصول وفنون الحلاقة طيلة 10 سنوات يعمل بها ظاظا في صالون البوري وحتى يومنا هذا، حيث اصبح زبائن الصالون يشعرون بلمسات ابوبندلي في مقصات الشاب الأنيق محمد ظاظا واحترافه في هذه المهنة التي أحب. 
كالونيا
وعلى صلة.. وإن رغبت أن تستنشق الهواء العماني منسوجا بذكريات الرضا والصبر، وإن شئت الجلوس على كرسي الأناقة والثقافة والعراقة، فما عليك إلا أن تستعد لمزاج عال من القصص الشيقة والروايات المنعشة التي حفرها شيخ الحلاقين العمانيين واعرقهم على الاطلاق ادوار بوري على رأس كل زبون على امتداد سنوات طويلة جدا، من الاخلاص للمهنة والمبادىء الطيبة، بعد ان تكون قد حلقت شعرك وذقنك لتخرج من صالون البوري معتقا، منتعشا بـ الكولونيا ونكهة الرشاقة المحببة.. وتمضي مشرقا في شوارع عمان العتيقة وازقتها.. لتبقى دوما عمان في القلب وكما تردد فيروز بصوتها الملائكي القشيب:
عمان في القلب أنت الجمر والجاه.. ببالي عودي مري مثلما الآه
لو تعرفين وهل إلاك عارفة.. هموم قلبي بمن بروا وما باهوا