إسرائيل.. على قارعة التاريخ والجغرافية*زياد الرباعي
الراي
إذا كانت الجغرافيا التي رسمتها حقبة الاستعمار البريطاني والفرنسي بالتحديد، أوجدت إسرائيل ككيان سياسي على أرض فلسطين، وإذا كان التلاعب بحقائق التاريخ قد أشر تزويرا وخرافة لارض الميعاد ووجود الهيكل المزعزم في القدس، فإن الكتب السماوية ومنطق الاجتماع السياسي يؤكد قرب زوال اسرائيل بعد أن بغت في الارض، واعتقدت واهمة انها لا تقهر، لأنها واجهت دولا عربية في أضعف حالاتها، وصنع حدودها استعمار أراد لها أن تبقى مشتتة لقوميات وملل وطوائف، ومتصارعة على حدود عوجاء أراد لها الأعداء أن تبقى نارا موقدة تشعلها عندما تريد تحقيق أهدف ما وزيادة الفرقة والقسمة.
أمام هكذا عالم عربي استفردت الصهونية بفلسطين وامتد عدوانها منذ 75 عاما، واحتلت اراض من مصر ولبنان وسوريا واعتدت على العراق وتونس واشعلت الفتنة في دول اخرى.
تعمل اسرائيل لاطالة عمرها معتمدة على دعم اميركي لا محدود، جاء بفعل الحراك الصهيوني، الذي انسلخ من الحقبة الامبراطوية البريطانية بعد ان بدأت بالخبو، واتجه ليصنع جذوره في الولايات المتحدة الاميركية الوليدة على أرض الهنود الحمر، ليكون جذرا لاعمدة السياسة والاقتصاد في واشنطن، لأن القاعدة تقول إنه مهما نما الزرع فالفضل والقوة تبقى للجذر، وعلى هذا يدور الفلك السياسي والاقتصادي الاميركي في جذر الصهيونية.
دعم اسرائيل بند قانوني اميركي لا يحيد عنه اي رئيس، ولا أي دولة تسير في المدار الاميركي، وخاصة دول اوروبا التي تقدم لاسرائيل قرابين الدعم والمؤزارة في كل الظروف ومهما قست في عدوانها.
لم يزر الرئيس الاميركي جون بايدن اسرائيل لمجرد تأكيد دعمها، وتلبية طلباتها فقط، بل لرسم سيناريوهات الحرب والمنطقة، ولتقديم خبرات واشنطن خلال عدوانها الدائم على الكثير من الدول والشعوب، خاصة في افغانستان والعراق وقبلهما في لبنان وفيتنام.
اميركا تلتقي مع الهدف الاسرائيلي بالقضاء على حماس، كما فعلت وفشلت هي مع طالبان، فقد غزت افغانستان لاجتثاث الارهاب، وصتعت نموذجا لدولة دام لسنوات مقدمة كل الاحتياجات لاستمرار رجالها في الحكم، لكن سرعان ما اندحرت أمام المقاومة التي دخلت افغانستان لأجل إبادتها.
التوافق الاميركي الاسرائيلي لإعادة احتلال غزة وانهاء المقاومة وعلى رأسها حماس -وحتى إن حصل- فيكون دلالة على قصر نظر سياسي، فالتاريخ يقول إن حركات المقاومة وخاصة العقائدية وذات الفكر إن خسرت جولات في الحرب، وفقدت الآف الشهداء والمصابين ستنتصر في النهاية، ويندحر المعتدي والمحتل والغاصب، وكل حركات التحرر في العالم أمثلة واضحة.
أما الخبرة الاميركية في العراق التي تريد لاسرائيل تطبيقها في غزة، من تدمير كلي لحضارة ما بين النهرين، والاستيلاء على المقدرات العراقية، فلن تنجح، لأن قوام غزة غير العراق، وها هو العراق يهيئ الظروف للانعتاق من الحقبة الاميركية، التي زرعت الفساد واعوانه في النظام السياسي والإداري، والفتنة بين طوائفه وقومياته.
اسرائيل تمعن في عدوانها، واميركا واوروبا يمعنون في دعمهم، والاحتياط العسكري الاسرائيلي يمعن بدعم ارهاب جيشه، وهذا اجماع على الغي في الظلم والعدوان والقتل، للوصول الى التهجير القسري لافراغ غزة، وتحقيق طموحات اقتصادية ترسم خطوطها بين القارات والقنوات، وعلى حدود للعالم الجديد بتفوق اميركي غربي اسرائيلي، وتلاشي عربي.
ردة فعل اسرائيل على طوفان الاقصى كانت بقتل الالاف، والتدمير الكلي لبنية غزة، أما ردة الفعل العربية فهي دبلوماسية واحتجاجات شعبية، لكن هناك أوراق ضغط أخرى منها قطع العلاقات وتجميد الاتفاقيات ووقف التطبيع.
في الحقيقة غزة عنوان صمود، وطوفان الاقصى خطوة على طريق التحرير، والعملية العسكرية المفاجئة والصاعقة على اسرائيل ليست ارهابا، لأن الارهابي هو من يعتدي على الاخرين والامنين والمدنيين.
فالقسام دخلت ارض فلسطين 1948 التي احُتلت من قبل عصابات صهيونية ارهابية مثل الهاجناة واشتيرن، والتي مهد لها وعد بلفور عام 1917 لتكون دولة اسرائيل فيما بعد، فأكثر من نصف سكان غزة هم ممن شردوا من ارضهم في حيفا وعكا ويافا والنقب...الخ.
وها هم أحفادهم يريدون العودة لارض أجدادهم، والتمهيد لتحرير فلسطين من كيان محتل صنعه الاستعمار، وحافظت اميركا على ديمومته، وبناء دولة مستقلة كاملة السيادة، بعد ان فشلت معاهدات السلام واوسلو في تحقيق ذلك.