عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Feb-2019

حكاية غزة الحزينة - د. ماهر عربيات

الراي - الأسير الشهيد فارس بارود هو صاحب الحكاية الحزينة التي لا توصف بالكلمات، يلقب بعميد أسرى قطاع غزة، دخل السجن عام 1991 وحكم بالمؤبد... قضى في سجنه ثمانية وعشرين عاما، هو أكثر الأسرى الذين عانوا من غطرسة إدارة السجون الاسرئيلية... تعرض لإهمال طبي مقصود على مدار سنوات سجنه، حتى فقد بصره وتلف كبده... تفاقم وضعه الصحي مع عزله الإنفرادي، وسط مماطلة إدارة الإحتلال في علاجه.

في ظلمة السجن، لفظ الأسير الفلسطيني فارس بارود البالغ من العمر إحدى وخمسين عاما أنفاسه الأخيرة، لتصعد روحه إلى بارئها، تشكو ظلم طغاة الأرض... عاش مناضلا حتى استشهد قبل أيام مترجلا في ثوبه الأبيض من زنزانته، حاله حال العشرات من أمثاله جراء الإهمال الطبي.
رحل الأسير تاركا خلفه رفاقه في السجن، الذين مازالوا يعانون جريمة الأهمال الطبي، ليسجل بارود الضحية الرابعة والستين، التي تدفع ثمن الإهمال والعزل الإنفرادي داخل زنازين الإحتلال، لعل استشهاده ينذر بأمر جسيم، ويفتح ملفا خطيرا يعاني منه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، ولربما ينتفض له المجتمع الدولي، الذي بقي يتابع الحالة دون أن يحرك ساكنا.
فشل الجميع في فك أسر فارس وتحريره، بعد أن كان رهين السجن امتد لثلاثة عقود من عمره من أجل فلسطين، حتى أكرمه االله بإحدى الحسنيين، في ظلال الخلافات الفلسطينية القائمة، التي حرفت البوصلة عن القضية الرئيسية وعن شؤون الأسرى.
منعت إدارة سجن الإحتلال الأم من زيارة إبنها لمدة ثمانية عشر عاما، فلم تكتحل عيناها برؤية ابنها رغم ما حظيت به من أمل، بعد خيبات من الترقب والإنتظار المتواصل، عاشتها مع سلسلة الإفراجات السابقة.
مأساة أم فارس لم تقتضب على سجن إبنها، فالأعراف والمواثيق الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان، لم تسعفها لزيارة ابنها في السجن ولو لبضع دقائق... عاشت وهي تقرأ آيات من كتاب ربها، وعرفت بكاء النبي يعقوب على ولده يوسف، فأمضت عقدين ونصف تصبر نفسها بالدعاء، فصبرت حتى جفت عيناها وابيضتا... ورحلت إلى عدالة السماء تسبق ابنها، ليقينها أن ثمة متسعا هناك لمن ضاق بهم صدر الأرض.
أم فارس ماتت أكثر من مرة... فقد ماتت حينما سجن ابنها الوحيد... وماتت حينما حرمها الإحتلال من زيارته... وماتت حينما ابيضت عيناها حزنا عليه... وأخيرا رحل فارس ورحلت أمه دون أن تراه أو يراها.
عند عزيز مقتدر يلتقي الشهيدان فارس وأمه، مخلفين نهجا جديدا من همجية الإحتلال، وليرويا فصولا طويلة من القهر والظلم لنيل العدالة الإلهية... فور الإعلان عن استشهاد فارس سادت حالة من الغليان داخل سجون الإحتلال، تزامنت مع بيانات شجب واستنكار، ومطالبات بتشكيل لجنة تحقيق للوقوف على تفاصيل وأسباب استشهاده، الذي رفع عدد شهداء الأسرى إلى مئتين وثمانية عشر شهيدا.
جريمة جديدة تضاف لسجل الجرائم التي يرتكبها الإحتلال بحق الأسرى في السجون، تستوجب من الضمير الإنساني سرعة التحرك، للجم سياسات الإحتلال العدوانية إزاء الأسرى، ومناشدة كافة الجهات للتدخل نظرا لخطورة الأمر، من أجل إنقاذهم من إدارة اعتادت الإعتداء على حقوقهم والتنكيل بهم، كلما فاض بهم كأس الإنتهاكات المستمرة تحت سمع وبصر العالم.