عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Nov-2019

نقطة غليان في إيران - بقلم: تسفي برئيل

 

هآرتس
 
مر أقل من اسبوع منذ قررت حكومة ايران رفع اسعار الوقود بعشرات النسب المئوية، الى أن اضطر النظام الى الانتقال للمرحلة الثانية القاتلة من قمع الاحتجاج. صحيح أن قطع خدمة الانترنت تصعب جدا على نقل المعلومات بين مجموعات الاحتجاج وبينها وبين العالم، لكن من المعلومات التي رغم ذلك تنجح في الخروج، يبدو أن عدد القتلى في المظاهرات وصل الى اكثر من 100. وهناك من يقولون إنه وصل الى 200 قتيل وآلاف المصابين والمعتقلين.
في تقارير تستند الى مصادر في “البسيج”، قوات المتطوعين لحرس الثورة الايراني، يتحدثون عن سلسلة تدريبات اجتازها الجنود مؤخرا حول طرق قمع المظاهرات وتفريقها، وعن جاهزية مرتفعة في صفوف حرس الثورة، الذي يمكن أن يستخدم القوات المدرعة في شوارع المدن. في بداية الاسبوع اعتقد النظام أن خطوات لينة مثل توسيع المساعدة المالية المباشرة لنحو 20 مليون محتاج كتعويض عن ارتفاع الاسعار، ستهدئ الجمهور. ولكن الآن يبدو أن القيادة تعترف بأنها تقف امام تهديد عصيان مدني شامل.
إن انتشار الاحتجاج الى 100 مدينة في جميع المحافظات واحراق البنوك ومكاتب الحكومة والمس بمؤسسات التعليم الدينية وشعارات ورسومات غرافيك تطالب بـ “الموت لروحاني، الموت لخامنئي”، هي الدليل على ذلك.
صحيح أن هذه المشاهد ميزت عدد من المظاهرات الكبرى التي اندلعت في الاعوام 2009 و2017 و2018. ولكن في هذه المرة النظام يجد صعوبة في رسم خط الحدود بين الاصلاحيين والمحافظين، ومن خلال ذلك التمييز بين المخلصين للثورة وبين الاعداء الداخليين الذين يعملون بدفع من الولايات المتحدة واسرائيل و”قوى الغطرسة الغربية”.
اذا كانت الاحتجاجات في البداية قد اندلعت في احياء الفقر في طهران، فهي خلال ثلاثة ايام امتدت ايضا الى شمال طهران وشيراز وياز واصفهان ومدن كبرى اخرى. وشارك فيها الشباب والطلاب وابناء الطبقة الوسطى للاحتجاج ضد النظام. التعبير الذي استخدمه قائد حرس الثورة والذي بحسبه “الرد سيكون حاسم وثوري” والطلب من محرر صحيفة “كيهان” التي توجد تحت سيطرة الزعيم الاعلى علي خامنئي “اعدام المتظاهرين” تدل على مستوى التوتر والضغط، ولا نقول الرعب، الذي حل بالقيادة في ايران.
خلافا لمظاهرات العام 2009 التي كان من الواضح فيها من ادارها وماذا كانت خصائص المشاركين فيها، فانه في هذه المرة مثلما هي الحال قبل سنة، ليس للمتظاهرين قيادة أو رواد معروفين ذوي هوية ايديولوجية موحدة أو استراتيجية سياسية واضحة. أي أنه حتى لو كان النظام مستعدا لاجراء مفاوضات مع أي جهة تمثيلية – مثلما فعل مع المعلمين الذين قاموا بالاضراب وسائقي الشاحنات والعمال في المصانع الحكومية الذين قاموا بالاحتجاج – ليس لديه الآن عنوان محدد يمكن أن يؤدي تحييده الى الهدوء. ولكن القمع العنيف ايضا يمكن أن يورط النظام بشكل اكبر، حيث أن هذا الامر سيوسع القطاعات التي ستشارك في الاحتجاج. في هذا السياق فان احد الاخطار هو أن متطوعي الباسيج، ومعظمهم من ابناء الطبقات الضعيفة والجزء الآخر هم الذين يضطرون الى التطوع من اجل الحصول على اماكن العمل، سيبدؤون في التسرب من داخل المنظمة والانضمام الى الاحتجاج.
إن شرعية النظام تضررت بشكل اكبر على خلفية الجبهة الموحدة التي عرضها علي خامنئي والرئيس حسن روحاني ورئيس الجهاز القضائي ابراهيم رايسي. هؤلاء منحوا الدعم الكامل لقرار الحكومة لرفع الضرائب. وبهذا فإنهم عززوا الشعور بالاغتراب والعداء بين الجمهور وبين القيادة. في المظاهرات السابقة، حسن روحاني هو الذي وقف ضد استخدام القوة ضد المتظاهرين، واعلن بأنه يوجد للمواطنين حق التظاهر السلمي. بل واتهم عددا من المؤسسات الدينية وحرس الثورة بسرقة المال العام. هذه المرة روحاني يصمت ازاء استخدام النار الحي ضد المتظاهرين والعدد الكبير من القتلى. الازمة الاقتصادية العميقة اضافة الى غياب الدعم السياسي لتطبيق اصلاحات اقتصادية اراد تنفيذها، ادخلته الى طريق سياسي مسدود الذي فيه فقط خطوة دراماتيكية مثل رفع اسعار الوقود يمكنها المساعدة من اجل اغلاق جزء من العجز الكبير في الميزانية، الذي يبلغ نحو 8 % من الناتج القومي الاجمالي الخام.
عمليا، النظام يمكنه التراجع عن قرار رفع الضرائب أو تطبيقه بالتدريج خلال سنة، لكن هذا القرار تفسيره ليس فقط خضوع لمطالب الجمهور بل انحراف عن سياسة “اقتصاد المقاومة” الذي وضعه خامنئي كوسيلة للتغلب على مكبس العقوبات. أي أن قمع الاحتجاج هو أمر حيوي ايضا من ناحية ايديولوجية وليس فقط سياسية. في هذه الاثناء النظام يستند الى تجربة الماضي وهو على ثقة بأنه في هذه المرة ايضا سينجح في قمع المظاهرات قبل تحولها الى عصيان مدني خطير.