عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Sep-2025

اعلاميون_اردنيون: مروان بشابشة... عندما يصبح الصوت مرآة الروح
سوشيال ميديا 
 
عماد الشبار
 
ليس كل من جلس خلف الميكروفون كان إذاعيًا، فبعض الأصوات لم تكن تُسمع فقط، بل كانت تُحسّ، تُرافق الناس في بيوتهم، ومكاتبهم، وفي صمتهم الطويل. من هذه الأصوات، يظل اسم مروان ياسين بشابشة حاضرًا، لا كأحد الأصوات الجميلة وحسب، بل كصاحب بصمةٍ امتدت من الأثير إلى وجدان المستمعين.
وُلد مروان في مدينة الرمثا، بتاريخ 5 أيلول 1951، وسط بيئة عسكرية صارمة، إذ كان والده يعمل في المحكمة العسكرية، لكنه لم يكن جافًّا ولا جامدًا، بل نشأ على مزيج من الانضباط والدفء، من الجدية والعاطفة. هذه الثنائية ظلّت ترافقه لاحقًا في عمله الإعلامي، حين جمع بين الوقار والبساطة.
درَس القانون في بيروت، ربما لأنه بحث عن العدالة في النصوص، لكنه سرعان ما اكتشف أن صوته يحمل رسالة أقوى من أية مذكرة قانونية، فاختار طريق الإعلام، حيث الكلمة المسموعة قد تغيّر أكثر من حكم محكمة.
انطلق في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، وهناك لم يكن مجرّد قارئ نشرة أو مقدّم برنامج، بل صاحب أسلوب متفرّد ترك أثره في آذان المستمعين وقلوبهم. قدّم باقة من البرامج المميزة مثل: البث المباشر، لقاء الأسبوع، حول مائدة السحور، مساء الخير، إضافة إلى نشرات الأخبار، التي كان حضوره فيها لافتًا. تميّز بقدرته على الحديث دون إطالة، والإصغاء حتى وهو يتكلّم، واحترام عقل المستمع دون أن يتخلى عن دفء حضوره الإذاعي.
لم يكن الأداء الصوتي موهبته الوحيدة، فقد تولّى مهمات إدارية ومهنية أكدت أن الإعلام بالنسبة له لم يكن مجرد وظيفة، بل مشروعًا وطنيًا وثقافيًا آمن به وسعى لترسيخه. عمل رئيسًا لقسم البرامج والتنسيق في الإذاعة الأردنية، ومديرًا للبرامج في مجمع اللغة العربية، كما أسّس الوحدة الإعلامية في وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وتولّى إدارة في عدد من القنوات التلفزيونية، بالإضافة إلى إنتاجه أفلامًا وثائقية عن اليابان حازت تقديرًا واسعًا لما حملته من عمق معرفي وجمال بصري.
وخلف الكواليس، ظل مروان مدرّبًا ومعلّمًا، صانعًا لأصوات جديدة، وآخذًا بأيدي الشباب نحو فهم عميق لمسؤولية الكلمة. لم يكن يعلّم فقط كيف تتحدث، بل كيف تُصغي، وكيف تفكّر قبل أن تتكلم.
ولم تكن هذه الرحلة الإعلامية حكرًا عليه، فقد سار على نهجه أبناؤه، ومن بينهم الإعلامية الشابة زين بشابشة التي ورثت منه شغف الإعلام وصدق الأداء، وحملت راية العطاء في مشوارها الإعلامي الخاص، مما يجعل قصة العائلة قصة تواصل وإصرار على المساهمة في تطوير الإعلام الوطني.
حتى بعد التقاعد، لم يركن إلى الراحة. أسس في السعودية مركزًا للتدريب الإعلامي، فحوّل تجربته الطويلة إلى منصة لتأهيل الإعلاميين الجدد، وظل حتى أيامه الأخيرة مخلصًا لفكرة أن الإعلام رسالة لا تتقاعد.
قدّمه الوطن مرارًا في مناسبات رسمية أمام جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال والملكة نور الحسين، وكان من أوائل مؤسسي جمعية المذيعين الأردنيين، دون أن يسعَ خلف الأضواء، بل بقي حيث يشعر أن تأثيره أعمق: بين الناس.
في 24 نيسان 2024، رحل مروان ياسين بشابشة. لم يحتج لمرثية طويلة، لأن صوته فعل ذلك من قبل. من استمع له يعرف أن هذا الرجل لم يكن مجرد إعلامي، بل حالة من الصفاء، من الإخلاص المهني، ومن التواضع الذي يختبئ وراءه الكبار الحقيقيون.
ترك أبناءً ساروا على دربه، وزملاءً يعتبرونه مرجعًا، ومستمعين لا يزالون يتذكرون كيف كان صوت المساء مختلفًا حين يقدمه مروان.
عماد الشبار