عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Aug-2019

المنسف.. سيد الموائد في عيد الأضحى

 

عمان - الدستور - خالد سامح - رغم الانفتاح الكبير الذي تشهده ثقافتنا الغذائية، واقبال الشباب في مجتمعنا على الوجبات السريعة، والمطاعم ذات النمط الغربي بما تقدمه من مأكولات منوعة بمصادرها ومكوناتها، الا أن وجبة «المنسف» الشعبية -والتي يؤكد بعض الباحثين أنها تعود لزمن ملك مؤاب ميشع- تبقى سيدة سفرة الأردنيين طوال السنة وفي كل المناسبات...انها الوجبة التي تتحدى «العولمة»ومخرجاتها وماخلقته من عادات غذائية جديدة، وهي الأكلة التي يعشقها الصغار قبل الكبار، وتتوقف عندها «برامج الحمية الغذائية ( الدايت)»، ويصعب مقاومة اغراء رائحتها الزكية حين تعبق المطابخ بها في الأعراس والأعياد والولائم الكبرى.
وجبة العيد
ولأنه عيد الأضحى...حيث يحرص معظم الناس على ذبح الخراف كواجب ديني وطقس اجتماعي، فإن «المنسف» يتسيد المشهد، ويتضاعف الاقبال في تلك الأيام على الجميد والأرز ومستلزمات الوجبة ( الاكسسوارات) من لوز وصنوبر وخبز شراك وغيره، ويجمع الطبق الكبير الأهل والأحبة والأصدقاء والمغتربين في أجواء حميمية قل نظيرها في باقي أيام السنة.
ثلاثة مكونات رئيسية
رغم فخامتها وتكلفتها المادية المرتفعة - في ظل ارتفاع أسعار اللبن واللحوم -، إلا أن وجبة المنسف بسيطة وليست بذاك التعقيد الذي يتوقعه البعض، فهي تتكون من لبن الجميد وهو شكل من أشكال الألبان المجمدة ويعرف فقط في الأردن وفلسطين وجنوب سوريا وأفضله ما ينتج في مدينة الكرك  وهو سر لذة تلك الوجبة بالنسبة للأردنيين، كذلك لحم الضأن (الخراف)والأرز، ولابد من إضافة السمن البلدي وتزيين الوجبة باللوز والصنوبر، وفي كثير من الأحيان وضع رأس الخروف المطبوخ أيضاً مع اللبن وسط الطبق الذي يخصص للضيف الكبير و»علية القوم».
ينقع الجميد لساعتين أو ثلاثة ثم يتم تذويبه بالماء باستخدام الأيدي في عملية تعرف بـ»المريس»، حتى الوصول للسائل الأبيض الكثيف الذي هو أساس الوجبة فيوضع على النار ويضاف إليه اللحم حتى ينضج، أما الأرز فيصنع بالطريقة التقليدية المعروفة ويسكب في أطباق كبيرة ثم يضاف إليه اللحم وتُشَرب الوجبة باللبن بعد تزيينها، كما يمكن أن يكون القمح المجروش (العيش) بديلا عن الأرز.
«المنسف و»مملكة ميشع»
لا تقتصر صناعة المنسف وإعداده بحرفية عالية على النساء فقط، فلا بد للرجال في الأردن أن يتعلموا طبخ هذا الطبق، حيث يجتمعون في المناسبات الكبرى وولائم الأفراح وفي الأتراح وحتى في حُمَّى الإنتخابات النيابية أيضاً لإعداد تلك الوجبة خصوصاً إذا تطلب ذلك طبخ كميات كبيرة وبقدور واسعة جداً لا تقدر النساء على حملها.
خليل الفراية من مدينة الكرك أحد هؤلاء الرجال الماهرون في إعداد المنسف، وهو بالإضافة لذلك باحث في التراث الغذائي الأردني، ويقول عن تلك الأكلة وتاريخها العريق : «يعود تاريخ المنسف الأردني إلى عهد الملك ميشع المؤابي 147 ق. م مؤسس مدينة الكرك والموحد كما جاء في كتب التاريخ لأنه وحد مملكة ديبول مع مملكة مؤاب، ويشار إلى أن  ميشع أمر بأن تطهو مملكة مؤاب بكاملها اللحم باللبن، ومن لا يأكل اللبن اعتُبر مع الأعداء وليس مع دولته.»
أسرار الجودة والطعم
وحول جودة طبق المنسف وسر لذته يقول الفراية : «ولإعداد المنسف البلدي باللحم يجب أن يكون اللحم لخروف أو جدي صغير وأن يطبخ اللحم باللبن البلدي المعد من حليب النعاج بعد ترويبه وخضه، وأن يوضع اللبن فوق اللحم في القدر مباشرة ليغلي معه ويتداخل فيه .. بينما يوضع القمح المجروش أو الأرز في إناء ويسكب فوقه ماء مغلي مع قليل من الملح ويوضع على النار مع التحريك المستمر ثم نخفف النار تحته ونتركه ?? دقيقه». ويتابع «ولتجهيز المنسف نفرش خبز الشراك في سدر كبير ونضع القمح المجروش ( العيش) او الأرز فوقه ثم نضع قطع اللحم فوقه، ونبدأ بوضع الرأس في المنتصف ثم نضع قطع اللحم حوله ونغطيه بقطعة شراك كامله قبل تقديمه. وحول أهمية «الجميد الكركي» تحديداً في إعداد وجبة المنسف، وسبب تفضيل الناس له، يقول الفراية :» لبن الماعز والخراف في الكرك أفضل، ذلك أنها تغذى عضوياً، وتأكل النباتات البرية المنتشرة بصورة خاصة في ريف وبادية الكرك ولها نكتها الخاصة التي تجعل طعم الجميد واللحم أيضاً أطيب، ومن تلك الأعشاب الشيح والحندوق والقيصوم». وأشار إلى أن الأردنيون يفضلون إستخدام السمن المنتج محليا في الكرك والبلقاء إلى اللبن عند طبخه، مؤكداً إستحالة طبخ المنسف بباقي أنواع السمن الموجودة بالأسواق أو بالزيت النباتي.
هل يطبخ المنسف بالدجاج؟
البعض يطبخ المنسف بالدجاج، ليس شرطا لرخص سعره مقارنة باللحوم الحمراء، انما من باب التنويع، الا أن «منسف اللحم» يبقى الأفخم بالنسبة لمعظم الأردنيين، وملائم أكثر في المناسبات والحفلات.
مايميز وجبة «منسف الدجاج» هو قلة الدهون التي تحتويها مقارنة بمنسف اللحم، فدهون لحم الخاروف تذوب في اللبن وتمنحه طعم خاص وكثقافة كبيره،وهذا ماتفتقده وجية منسف الدجاج...سوى ذلك فإن المنسف لايمكن أن يصنع مع أي نوع آخر من اللحوم.