عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Feb-2019

قدري - عبدالهادي راجي المجالي

الراي - كان قدري أن أولد في الكرك، وكان قدري أن أكون، من عشيرة تحب الخيل والجيش والحياة، والكحل في عيون النساء..أنا لم أختر قدري !

كان قدري أن أكون من الجنوب أيضا، من الرمل حين يطرب على صوت الربابة، وكان قدري أن يعلمني أبي كيف أميل العقال عن يمين الرأس..وكيف أصب القهوة، وكيف أقبل يد الوالدة..وأحنو على الكبار، وأمشي في الطريق هونا...وحين تجتمع العشيرة، أركض إلى حضن أبي وأجلس فيه.. وتدخل أذني اللهجة الكركية، تماما مثل صب الزيت فيها..
كان قدري،أن أكافح في هذا العمر، وأرحل مع عائلتي إلى عمان صغيراً وفي أول الخطى..وحين أتحدث في الصف، يضحك التلامذة من لهجة.. صبها أبي في أذني مثل الزيت فتوقد الزيت «كركية فصحى على لساني» وأصمت من همز وسخرية الرفاق وأقول، هم لايعرفون أن هذه اللهجة صدح بها حسين الطراونة معارضة... والزعيم إبراهيم الضمور، هو الآخر صرخ بها يوم استجار به أهل فلسطين..وقدم أولاده مهراً للكرك والكرامة والمبدأ.
كان قدري..أن أحب الجيش، وقد أقنعني أبي أن اكون ضابطا في صفوفه، وأخبرني..عن حابس المجالي، وعن الكتائب المظفرة، والحروب التي خاضها..وعن أبناء عم له، ذهبوا إلى فلسطين وبعضهم لم يعد...حدثني عن كل ذلك، وكأنه يصب الجيش دما في وريدي....مثلما صب الزيت في أذني على شكل لغة كركية لا تعرف الإعوجاج..ولا الدلع.
كان قدري أن أتورط في الكتابة، حاولت أن أنثر دمع أمي مقالاً..موزونا ومؤلما على ورق الجريدة، حاولت أن أمد العشيرة كقصيدة حب أموية.. صيغت على بحر الرمل، حاولت..أن أمزج في الهوى بين السلط والمفرق ومعان وإربد... وأغزلهن صبايا من بلح العراق، أو من ماء دجلة..أو وجد الشعراء في العهد العباسي، حاولت..حاولت كثيرا أن أطوع الحرف على أصابعي أردنيا، وأيقنت أن الحب له هوية أردنية، والحرف أردني..والمدى أردني، ولم تشاهد عيوني غيره وطنا ومستقرا وملاذا وقبرا يأوي عظامي ساعة الرحيل...
كان قدري أن أكتوي بالسجن، والاعتقال..كان قدري أن أغضب، وأن أسحق وأحيانا أرمى في غياهب النسيان، كان قدري...أن أتعب وأمرض وكل خميس أعود إلى عشقي الأول (الكرك)...وأحاول على أهداب الصبايا هناك أن أكتب سطرا من الغرام، أو على جدار الكنيسة...أن أرمي وردة أو قبلة من الروح...وأقبل العمات والخالات، وأزور قبر أبي وقبر أمي وأذرف دمعة حرى... وأغسل وجهي بترابها، فترابها زمزم يشفي الروح من تعب العمر..
كان قدري أن أكون عبدالهادي راجي..الكركي المجالي العشائري...المغرق في الهوية حد الوجع والعشق في ان واحد..
دولة الرئيس..مثلما هو حق لكم، أن تدافعوا عن ليبراليتكم، وديمقراطيتكم وتاريخكم...وحكومتكم، ورؤيتكم، وطرق اختياركم الكادر..
أعطونا حق الدفاع عن أقدارنا، لا تصادروا أقدارنا... أن أسوأ شيء في العمر، هو أن تصادروا قدري.
Abdelhadi18@yahoo.com