عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2021

ندوة نقدية تناقش “محمود درويش من بلاغة المنفى”

 الغد-عزيزة علي

 ضمن سلسلة ندواتها النقدية الدورية عقدت جمعية النقاد الأردنيين، بالتعاون مع المكتبة الوطنية وجامعة فيلادلفيا؛ ندوة نقدية بعنوان “محمود درويش من بلاغة المنفى إلى تخوم الفلسفة”، تحدث فيها كل من د. ناصر شبانة، الدكتور بسام قطوس، وقدمت د. مها العتوم قراءتها في كتاب “بلاغة المنفى تجربة في قراءة القصيدة الدرويشية”، للدكتور محمد عبيدالله، وأدارها د. تيسير أبوعودة.
المشاركون في الندوة رأوا أن درويش استطاع أن يطرح أسئلة فلسفية ضمن سياق جماليّ يحافظ على كينونة السؤال الفلسفي دون أن يمسّ بالشرط الجمالي والفني للقصيدة، أوسع درويش شرايين قصيدة التفعيلة باستضافة ما في النثر من تفاصيل في الطبيعة والإنسان والوجود، ليصوغ قصيدته التي شكلت مدرسة شعرية حداثية، وقد حوّل المنفى إلى موضوع جماليّ، خصوصا في أخرى دواوينه فكان يعلن الديوان بقصائده واحدة موثقا العلاقة بين قصائده وكأنها قصيدة واحدة.
وعن الفلسفة والمعرفية الإنسانية وقيمتها في تمازجها مع الشعر، قال الأكاديمي والناقد د.ناصر شبانه؛ إن الشعراء الذين رفضهم أفلاطون هم من حملوا فلسفته وتأملوها وحاوروها، فالفلسفة بنت العقل والشعر ابن العاطفة، وقد أثبتت الفلسفة جدواها في الشعر العالمي، مشيرا إلى أن درويش استطاع أن يوفّق بين الفلسفة وبين الشعر، مُظهراً مقدرة عُليا على محاورتها، فلم ينغلق على نفسه بل سعى إلى إثبات جدوى حضورها في الشعر.
ورأى شبانة أن الدكتور بسام قطوس أحسن في اختياره للموضوع حين التفت للمحتوى الفلسفي عند درويش الذي غفل عنه كثير من النقاد في تناولهم لتجربته الشعرية الممتدة. وقد جاءت فكرة الكتاب حيوية تتسم بالذكاء والجدة وتعلل اجتماع النقيضين.
من جهته أشاد د. بسام قطوس بدور نقد النقد في تقييم المنجز النقدي وتوجيهه، مبينا أنه ليس منحازاً للفلسفة، إلا أن الناقد معنيّ بما يعرض له من قضايا في النص الشعري. وقال قطوس “انه سعى من خلال كتابه أن يجيب عن السؤال القائل: كيف استطاع درويش أن يسأل هذه الأسئلة الفلسفية ضمن سياق جماليّ يحافظ على كينونة السؤال الفلسفي دون أن يمسّ بالشرط الجمالي والفني للقصيدة. ومع أن الشعر مصدره عاطفة الشاعر، إلا أنه موكّل بطرح أسئلة تتعلق بالفلسفة والوجود والمعرفة وكينونة الإنسان. وأن القراءة النقدية للشعر مسؤولة عن “كيف قال” لا عن سؤال “ماذا قال”.
وحول الوعي عند درويش أشارت الاكاديمية والشاعرة مها العتوم الى ان الوعي الدرويشي أقام علاقة بين اليومي والشعري، وبين العربي والأجنبي، ما جعله يوسع الضفاف، ويوسع شرايين قصيدة التفعيلة باستضافة ما في النثر من تفاصيل في الطبيعة والإنسان والوجود، ليصوغ قصيدته التي شكلت مدرسة شعرية حداثية، وفي البنية التركيبية ينوع درويش بين الجمل الإسمية والفعلية، وتزيد الجمل الفعلية على الجمل الإسمية بما يخدم تغليب الحركة على السكون، والفعل على الحياد والصمت كما يقول “عبيدالله”، بما يتناسب مع مفردة المشي الرحمية وظلالها المختلفة التي تسيطر على القصيدة.
ورأت العتوم أن عبيدالله يقول في كتابه “أسهمت الجمل الفعلية في تقوية الأسلوب السردي وإظهاره، مع أن القصيدة لم تفقد هويتها الغنائية، وهي تقدم نموذجاً شعرياً على إمكانات القصيدة الغنائية من الناحية السردية، وانفتاحِها على استعمال السرد أسلوباً فارقاً يسهم في تنويعها وتطويلها وانسجام بنائها”.
وواصلت العتوم حديثها عن البنية التخييلية وقدم فيها درويش عالما واسعا من الصور الجديدة أو المخترعة، وابتعد بصورة ملفتة للنظر عن الصور القديمة والتقليدية بأدوات المجاز المختلفة التي يستدعيها الموقف والموضوع والخبرة الفنية والجمالية لدى الشاعر.
وأكدت أن كتاب د. عبيدالله “يمثل قراءة موسعة وسابرة لعمق قصيدة درويش، التي يمكن أن نعدُّها مفتاحا لقراءة تجربة الشاعر المتأخرة، ويمكن الاستنادُ إليها في الحكم على تحولات وتطورات قصيدة التفعيلة عنده، وعلى قدرته الفائقة على الإمساك بزمام الشعرية من خلال صنع توليفة بين النثر والشعر، دون أن يستسلم للنثر، ودون أن يتخلى عن غنائية قصيدته في الوقت نفسه، ولكنه يعمل على توسيع آفاق قصيدة التفعيلة الغنائية بما في النثر من سردية وتفاصيل وخصائص توسع أفق الشعر والقصيدة الدرويشية”.
فيما تحدث د. محمد عبيدالله عن ميله إلى المنجزات الشعرية الأخيرة لدرويش برغبته في البحث في كلام النهايات التي استقر فيها الأسلوب، فالشاعر يقدم أسلوبه بعد أن امتزج بطول تجربة وصبر. وما اهتمامه بقصيدة واحدة يعقد عليها كتاباً مستقلاً إلا من باب الانحياز للنقد العمودي وليس النقد الأفقي، مظهراً اهتمامه في دراسته هذه بالنقد النصيّ أكثر من الانشغال بمقولات النظريات النقدية، وهو نقد ينشغل بزوايا النص وتفاصيله انشغالاً تاماً يكشف عمق البنية وشروطها.
وأشار عبيدالله إلى عنوان الكتاب الذي جمع بين لفظتين أساسيتين في التجربة الدرويشية هما البلاغة والمنفي، وهذه الأخيرة ولدت مع درويش ورافقته وصبغت شعره، وتمثل اللقطة الأهم في لفهم شعر درويش لأنه حوّل المنفى إلى موضوع جماليّ، لا سيما وأن درويش في أخريات دواوينه كان يعلن الديوان بقصائده دفعة واحدة موثقا العلاقة بين قصائده وكأنها قصيدة واحدة.