الدستور
لا يوجد إنسان مسلم أو مسيحي أو يهودي لديه الحد الأدنى من الإنسانية، وذرة من الأخلاق، إلا وشجب واستنكر حادث الاعتداء والقتل الذي تعرض له يهود في سدني الأسترالية أثناء الاحتفال بعيدهم الديني.
قتل المدنيين أثناء الحرب عمل مدان قانونياً، فكيف يكون قتلهم وهم خارج حدود الحرب، لا ذنب لهم فيما يحصل في فلسطين على يد الصهاينة واستعمارهم الإسرائيلي، وكيف أكثر حين يتعرضون للاعتداء والتطاول وهم يؤدون واجباً دينياً؟؟ يكون الرفض القانوني والأخلاقي أكثر حدة ووضوحاً.
كمسلمين ومسيحيين وعرب وأردنيين، كما كتب بعض الزملاء، والشجب الذي عبرت عنه بيانات الاستنكار من عدة جهات أردنية وعربية، ومن جهات و مؤسسات فلسطينية مماثلة، دوافعها أخلاقية شجاعة، وتعبر عن سمو إنساني، ولذلك علينا الإدراك جميعاً أن ما قارفته اليد المتطرفة من قبل الأب وابنه المسلمين، من أصول باكستانية، ضد الاحتفال اليهودي الاسترالي، وسقوط الضحايا خلاله، عمل مدان مرفوض، حتى ولو كانت دوافعه انتقامية لفعل الصهاينة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وبسبب الانتهاكات اليومية للمستعمرين الصهاينة للمقدسات الإسلامية، على المسجد الأقصى في القدس عاصمة فلسطين، و على المسجد الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن الطيبة الباسلة بأهلها.
رفضنا المس بالمدنيين سواء كانوا من اليهود أو مسيحيين أو مسلمين، مبدأ ثابت قيمي، نمارسه حتى في ظل أوقات الشدة، وفي وقت يتعرض له الشعب العربي في فلسطين ولبنان وسوريا لأعتى الجرائم البشعة والقتل والتدمير والقصف على يد قوات الاحتلال والمستعمرة الإسرائيلية الصهيونية.
دوافع الأب وابنه في قتل اليهود المدنيين الأبرياء، يعود لردة الفعل الذي تمارسه قوات الاحتلال الاستعمارية، وعصابات المستوطنين المستعمرين ضد الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة، أو في القدس، أو مخيمات وقرى ومدن الضفة الفلسطينية، وهذا يجب التوقف عنده ودراسته، فالدوافع لم تكن حقداً من مسلم نحو يهودي، بل دوافع ثأرية فرضتها عليهما إحساسهم بالذل والقهر لتعرض أشقاء لهم من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، لجرائم القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي على يد الصهاينة المستعمرين.
لندقق بالظاهرة الثانية من وقائع الحدث أن مواطناً عربياً سورياً مسلماً، اسمه أحمد الأحمد تقدم بشجاعة وهاجم المسلح وانتزع منه سلاحه، لأنه رفض تعرض اليهود للقتل والمس خلال احتفالهم الديني، فسجل حالة من البطولة العربية الإسلامية السورية قل نظيرها، كما قال رئيس وزراء استراليا، أليس هذا عملاً بطولياً أخلاقياً من مسلم عربي عبر بشجاعة عن انحيازه لسلامة اليهودي وإنقاذه؟
في الحالتين الأولى: تعرض اليهود في استراليا للمس والأذى، وفي الثانية تدخل مسلم لحماية اليهود، إدانة صارخة لفعل نتنياهو وفريقه الائتلافي الحاكم، وسلوك مستعمرته المتطرف العدواني الفاشي، وتصريحه المتسرع أن السوري المسلم العربي، كان يهودياً، وعندما تم الإعلان عن اسمه أحمد الأحمد، انخرس نتنياهو وصمت، لأنه تلقى صفعة سياسية أخلاقية، من مواطن عربي سوري مسلم، يتعرض شعبه في سوريا للأذى والقتل والاحتلال، ومع ذلك تقدم معرضاً نفسه للخطر حماية لليهود.
الاحتلال لكامل فلسطين، وللأراضي اللبنانية والسورية، وممارسة القتل والتطاول والاعتداء على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين هو السبب الجوهري لفعل المسلمين الباكستانيين في ممارسة الفعل الثأري وإن كان غير مقبول من جانبنا، في أستراليا.
كلما تواصل الاحتلال الصهيوني في جرائمه واحتلاله وتماديه، ستقع أحداثاً مماثلة، في التعبير عن الرفض العربي الإسلامي المسيحي، لفعل الاحتلال وجرائمه، سواء كانت ردود الفعل غير مقبولة كما حصل في استراليا، أو ردود أفعال أخلاقية كما يحصل في شوارع مدن أوروبا والولايات المتحدة يشارك بها مسلمون ومسيحيون ويهود ضد سلوك وجرائم المستعمرة الإسرائيلية، واحتلالها لأراضي ثلاثة بلدان عربية: فلسطين ولبنان وسوريا.