عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Aug-2019

مقهى الاسكندراني يضيء قلب السلط

 

محمد جميل خضر
الراي - بابتسامةٍ لا تغادر محيّاه يقول محمد باكير صاحب مقهى الاسكندراني في القلب النابض لمدينة السلط إن «زيارة السلط دون المرور بشارع الحمّام أشبه بزيارة العقبة دون رؤية البحر». ليس بعيداً عنه يدلي الكاتب مصطفى توفيق أبو رمّان بدلوه فيما هو يواصل جلسةً رائقةً مفعمةً بالمعنى في فضاء المكان ب: «وبدوري أقول إن المرور بشارع الحمّام دون التعريج على مقهى الاسكندراني الثقافي كمن يؤثر سلامة الشط ولا يعنيه الدُّرّ المكنون في أعماق البحر».
تحت عنوان «إيجاد مساحة عائلية نخبوية شعبية تنبض ثقافة وفناً وتراثاً، وتبوح بروح المكان، وتستنطق تاريخه العريق، ويلتقي حول تجليات ضوئها ونبضها أهلٌ وأصدقاءٌ وأبناء السلط والأردن أجمعين، ومثقفون وشعراء وفنانون وأعلام وسياسيون وإعلاميون محليون وعرب»، أخذ باكير على عاتقه التصدي لمشروع إعادة إحياء المقهى الذي كان قد ذاب في النسيان وغاب في الإهمال. لا يمنعه مواصلة حديثه مع الرأي، أن يرحب باكير بضيفٍ جديد، وأن يلقي السلام على جلّاس واحدة من طاولات المقهى المحافظ على الطراز المعماري الذي تتميز به بيوت السلط وترجع أولى مداميكه إلى 170 عاماً ماضية.
يروي القاص مهند العزب حكاية التحدي التي حمل باكير صخرتها، يتذكر رحلة نفض غبار النسيان عن البيت/ المقهى العريق: «رحلة بدأت قبل زهاء عامين وشارك بها الذين تحمسوا للفكرة جميعهم، تسندهم ثقافة الفزعةِ المُحَلِّقَةِ كعُرْفٍ وقيمةٍ وعنوانِ تكافل بين الناس في بلادنا».
كتفاً بكتفٍ، يقول العزب، تواصَلَ العملُ دون كلل أو ملل. «لحْنُ أغنيةٍ مجبولةٍ بعرق الرجال كانت تحثُّهم»، يصف العزب لحظات إعادة الإحياء التي بدت مستهل المشروع كمن يواجه ركام قرنٍ من إدارة الظهر للمتنفّسات الثقافية والفنية والاجتماعية والترفيهية والشبابية خارج العاصمة. في واحدة من طاولات المقهى، يدور نقاش عميق يتناقل جلّاسها الآراء خلاله بسلاسة وانسيابية. مجموعة من الأصدقاء عادوا للتو من حفل أقيم في غرفة تجارة السلط بتنظيم منتدى شارع الحمّام الثقافي وإشراف مديرية ثقافة البلقاء ورعاية وزيرة الإعلام جمانة غنيمات، جرى فيه توقيع اتفاقية نشر روايتين لكاتبين أردنيين مع دار نشر مصرية. مستشار الاستراتيجيات د. غالب العساف ، يرى أن شارع الحمّام الذي يتجلى مقهى الاسكندراني كأحد مكوناته، يُعَدُّ «مركزاً استراتيجياً مهمّاً»، وأن انبهار الزائر
يبدأ بالشارع نفسه «المحاط بالعراقة والعتاقة من جهاته جميعها: فهنا كنيسة الخضر الذي تقف شامخة منذ 400 عام ماضية، وهنا مسجد بناه المماليك، وهنا الدروب المرصوفة ضمن مفردات الشارع والحوانيت الطالعة من بهاء الزمان، ووسط كل هذا وذاك وإذا بالمقهى تطالعك كجزء لا يتجزأ من هذا المجد كله ومن هذا السطوع المبين».
د. العساف قال: «السلط، كما يصفها أهلها، هي سلطانة المدن الأردنية»، والمقهى وفق هذا السياق هو قلب هذه السلطانة المعتدة بأهلها وعشائرها ومكوناتها وعراقتها
وتنوّع مفردات وجودها».
العساف يتطرق أيضاً لموضوع العقل الجمعي السائد ضمن منظومة الوعي المتوارثة، ذاهباً إلى أن هذا العقل الجمعي يجد «مقاربات كثيرة له في السلط»، وهي مقاربات تحظى جميعها، كما يرى، بـ «مردود إيجابي، من مثل الترحيب الجماعي الذي يحظى به ضيوف المدينة، وفي المقهى على وجه الخصوص، يدفعك أصدقاؤه (أصدقاء المقهى) ومنذ لحظة دخوله للصعود نحو شعور أنك ابن المكان ولست ضيفاً أو زائراً طارئاً.
جو من الحميمية والألفة والدفء يحيطك الجميع به لحظة تسليمك عليهم وسماعك للكلمات التي ما يزال لها هذا الرنين المشع نفسه والبهيّ الجميل: (جيرة االله، روّح جاي عالمقسوم، إفلح معنا)، وما إلى ذلك من كلمات الترحيب والتهليل المشفوعة ببشاشةٍ طيّبةٍ مُشرقةٍ بالرضا والأمان».
«المقهى على صغر حجمه»، «إلا أن منجزه كبير وأحلامه تعانق نجوم السماء».
من الخطط المقبلة للمقهى كما يكشف صاحبه محمد باكير:
«تأسيس مكتبة صغيرة ونادٍ للكتاب بشكل دائم في المكان».
كما يطمح للتعاون مع سفارات عديدة عربية وأجنبية لاستضافة أيام ثقافية عربية وإقليمية. كل ذلك لن يساعده فقط، يقول باكير، في «تشارك تاريخ السلط وتقاليدها وتراثها، بل وفي إيجاد هوية للمكان كَجادَّةٍ ثقافيّةٍ لنيل العلم وتشجيع الرغبة في المعرفة حول الثقافات والقيم المختلفة، وفي تعزيز فكرة الحوار كجسرٍ للتواصل».
باكير يختم بالقول إن «المقهى لا يشكل مشروعاً تجارياً فقط»، بل هو كما يراه ويريد له «مكان لتبادل الثقافة والتقاليد والتراث وزيادة أعداد زوار مدينته الرائعة، وفضاء يشع نوراً وفنوناً ومباهجَ على امتداد مساحة السلط وما حولها».