الراي
.. تقول التقديرات إن الأردن فيه ما يقارب المليون عامل وافد، وتقول التقديرات أيضا إن الأردن فيه نصف مليون عربي جاءوا بفعل الحرب وعدم الاستقرار في بلدانهم واستقروا هنا، تقول التقديرات أيضا إن الأردن فيه عمالة من كل الجنسيات.. يكفيك أن تمر في المساء من شارع البحتري في جبل عمان، هناك ستسمع اللغة المالاوية.. واللغة الفلبينية واللهجات الصومالية واللغة الأثيوبية.
مع كل هذه الأعداد الهائلة من العمالة والجنسيات في الأردن، يستطيع أي مخفر إذا هربت عاملة وافدة.. في خلال يومين أن يعثر عليها ويعيدها، ويستطيع مكتب مكافحة المخدرات.. أن يصل إلى أي زاوية في أحياء عمان مهما كانت مخفية ويقوم بضبط المواد المخدرة.. وإذا ذهبت إلى دائرة الإقامة والحدود للاستفسار عن صومالي أو تنزاني دخل الأردن.. تستطيع أن تعرف متى دخل ومن أي معبر وما هو رقم هاتفه وأين يقيم، وهل تصريحه ساري المفعول أم لا..
وعبر هاتف واحد، تستطيع دائرة الإقامة والحدود.. أن تعرف أي التصاريح انتهت.. وتستطيع دورية راجلة في عمان إذا أوقفت أحد المقيمين، وعبر اتصال هاتفي أن تعرف إن كان ملفه خالياً من التجاوزات أم لا.. وأن تحدد إقامته أين، وهل جاء مع الأسرة أو بدونها، وهل تجاوز مدة الإقامة أم لا.
وإذا ذهبت لوزارة الداخلية، وجلست عند صديقنا العزيز المحافظ باسم الدهامشة مدير الإقامة والحدود.. وعبر (ضغطة) زر واحدة على جهاز الكمبيوتر في مكتبه، يستطيع أن يعرف لك متى دخل فلان إلى المملكة ومن أي معبر جوي.. متى حصل على الإقامة، وما هو حجم وديعته في البنك وكيف تم تصنيفه مستثمرا..
الأردن بنى مؤسسة أمنية عبر جهاز الأمن العام ووزارة الداخلية، تعتبر الأكثر تطورا في العالم.. فحين كانت عواصم الثراء العربي تفتقد لمراكز إدارة عمليات أو مراكز مراقبة رئيسية كان جهاز الأمن العام.. قد أسسها، وصدر للعالم العربي أساليب الإدارة.. وحين كانت دوائر الإقامة والحدود في العالم العربي كلها بصبغات عسكرية وأمنية، أسست وزارة الداخلية إدارة إقامة مدنية.. تستطيع أن تتعامل مع المستثمر ومع العامل ومع المقيم الشرعي وغير الشرعي..
إذا قلنا سلامة الجبهة الداخلية الأردنية.. فعلينا أن ندرك أن المؤسسات المعنية بالسيادة والقانون مثل الأمن العام ووزارة الداخلية، هي الأكثر احترافية في العالم العربي.. لأن ما استوعبته من قضايا اللجوء، وقضايا التهريب.. ومحاصرة الجريمة وحماية المرأة والطفل والبيئة، لا تستطيع أي دولة عربية في محيطنا على تحمله.. فما مر على الأردن في العشرين عاماً الأخيرة، كان يفوق قدرته بكثير ومع ذلك أخلاق العاملين في هذه المؤسسات ووطنيتهم كانتا هما الدافع والمحرك لتفانيهم وعطائهم.
أما الجانب الآخر فيما يتعلق بالجبهة الداخلية، فأنا أجد أن أخطر ما يواجهنا هو تحصين الأثير الأردني.. الإذاعات الصباحية فيها انفلات، وسائل التواصل الإجتماعي تخضع للإشاعة وأحيانا الشك والرجم.. غياب الوعي لدى كثير ممن يمتطون مايكروفونات الصباح.. فقصة الأردن لا ترتبط بحفر مطب أو بنقص إبر الأنسولين.. قصة الأردن الآن ترتبط بخطر إسرائيلي نابع من قيادة مسعورة انفلت عقالها وصارت ترى في ذبح الناس وسيلة لاستمرارها والحفاظ على أمنها المزعوم..
حماية الأثير تتم بالوعي، ولا تتم بفتحه لكل من هب ودب.. نحن الآن بحاجة لما يسمى بالإعلام التعبوي، الذي يرسخ القيم.. والذي يقدم سردية الدولة، والذي يحمي المجتمع من الانقسام.. ويجب أن نبدأ بالبرامج الصباحية والتي تقوم على الهجوم ومحاولة كسر هيبة المؤسسات.
مؤسسات الدولة بخير، وقادرة على حماية السيادة والأمن.. لكن الوعي في الأردن ليس بخير، فمن يمتطون منصات الإعلام.. لم يدركوا بعد خطورة ما تشهده المنطقة.