عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Aug-2025

بين ضغط النفقات وابتكارات الأسر.. كيف نقلل عبء مستلزمات المدرسة؟

 الغد-ديمة محبوبة

مع قرب بدء العام الدراسي الجديد، تستعد كثير من الأسر الأردنية لتجهيزات الأبناء، من حقائب مدرسية، دفاتر، أقلام، ألوان، أحذية، زي مدرسي، وترتيب المصاريف وأقساط المدارس الخاصة أو حتى التزامات النقل اليومي.
 
 
لكن ما يثقل هذه القوائم أكثر هو الظرف الاقتصادي الصعب الذي يعيشه كثيرون، والذي يفرض البحث عن حلول ذكية لتقليص الإنفاق من دون أن يتأثر الجانب النفسي للأطفال.
 
في أحد المراكز التجارية، كانت أم لثلاثة أطفال تتفحص أسعار الحقائب، وتتبادل الحديث مع سيدة أخرى تشاركها أفكارها. تقول: "هناك حقيبة قديمة لكن حالتها ممتازة، استخدمها ابني العام الماضي، وسأعطيها هذا العام لابنتي الصغرى، فلا داعي لشراء ثلاث حقائب جديدة، وسأكتفي بشراء حقيبة واحدة لابني الأكبر لأنه انتقل إلى مرحلة جديدة ويحتاج إلى حقيبة أكبر".
وتضيف وكأنها كانت تتحدث بأفكارها: "الأطفال في البداية يعترضون، لكن عندما نشرح لهم أن الحقيبة ما تزال جيدة وأننا سنشتري لهم أدوات جميلة، يقتنعون".
‎التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني، ترى أن هذه الخطوة ليست مجرد تدبير مالي، بل فرصة تربوية لتعزيز قيم مهمة في نفوس الأبناء. 
‎وتضيف أن إعادة استخدام الأدوات بين الإخوة تعزز لدى الطفل مفهوم المشاركة، والابتعاد عن النزعة الاستهلاكية المفرطة، لكن المهم هو طريقة عرض الفكرة على الأبناء، فإذا قدمت على أنها تضحية أو حرمان، سيشعر الطفل بالنقص، أما إذا قدمت على أنها تعاون أسري، فسيتعامل معها بفخر.
‎وتشير الكيلاني إلى أن الأطفال يتأثرون كثيرا بما يرونه من سلوكيات الأهل، فمثلا، الأم التي تختار استخدام حقيبتها القديمة للعمل، ترسل رسالة ضمنية لأطفالها أن القيمة ليست في شراء الجديد دائما، بل في المحافظة على الموجود.
‎وتضيف "من المهم أيضا السماح للطفل بالمشاركة في اختيار بعض الأدوات أو تزيين الحقيبة القديمة ليشعر بأنها تخصه شخصيا".
من جانبه، يرى اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن إعادة التدوير أو تبادل الأدوات بين الأبناء أمر ليس جديدا في المجتمع الأردني، لكنه في الأعوام الأخيرة بات أكثر انتشارا بسبب الضغوط المعيشية.
‎ويقول "في السابق، كانت العائلات الكبيرة تتبادل الملابس والحقائب والكتب بين أبناء العمومة والجيران، وكان الأمر طبيعيا، لكن ثقافة الاستهلاك والإعلانات المكثفة جعلت بعض الأسر تشعر بالحرج من هذا السلوك".
‎ويضيف خزاعي "أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة تعيد تشكيل أولويات الأسرة، فمع ارتفاع أسعار الأقساط والنقل والكتب، بات من الضروري البحث عن طرق لتخفيف النفقات".
‎وتابع "الأمر لا يتعلق فقط بالقدرة على الدفع، بل أيضا بالحفاظ على التوازن المالي للأسرة طوال العام، فالأسرة التي تصرف كل مدخراتها في بداية العام الدراسي قد تواجه صعوبات لاحقا في مواجهة مصاريف أخرى".
‎أما سعاد، وهي أم لطفلين، فترتب رفا مليئا بالدفاتر والقصاصات، موضحة أنها خصصت يوما كاملا مع ابنيها لفرز ما تبقى من العام الماضي.
‎"وجدنا دفاتر لم يستعمل منها إلا صفحات قليلة، قصص مدرسية ما تزال بحالة ممتازة، وألوان سليمة، هذا الترتيب وفر علي نصف قائمة المشتريات"، حسب سعاد.
‎وتضيف أن حقيبة ابنها بحالة جديدة، لكن قلمه اخترق طرف الحقيبة، ما جعلها تشتري لصاقات يحبها ابنها لشخصيات كرتونية، وعملت على خياطتها، ما جعل الحقيبة وكأنها جديدة، عدا عن فرحته الكبرى بذلك.
‎"لكن التحدي الأكبر أمام بعض الأهالي ليس توفير الأدوات، بل مواجهة طلبات الأبناء المتأثرة بما يرونه من زملائهم أو على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الكيلاني، محذرة من الضغط النفسي على الطفل بسبب المقارنات، وتقترح أن يكون الحوار مع الأبناء صريحا وهادئا. 
‎وتؤكد أن من حق الطفل أن يعبر عن رغبته في شيء جديد، لكن من واجب الأهل توضيح حدود الإمكانيات المالية، مع محاولة إيجاد بدائل مقبولة.
‎أما خزاعي، فيرى أن المسؤولية لا تقع على الأسر وحدها، بل على المؤسسات التعليمية والمجتمع ككل، فيمكن للمدارس تنظيم أسواق صغيرة لتبادل الأدوات بين الطلاب، أو التعاون مع الجمعيات الخيرية لتوفير المستلزمات للطلاب المحتاجين، هذه المبادرات تعزز روح التضامن وتخفف العبء عن الجميع.
‎ورغم الضغوط، هناك جانب إيجابي لهذه التحولات، فالأطفال الذين يشاركون في فرز الأدوات وإعادة استخدامها يتعلمون مهارات تنظيمية، ويطورون حسا بالمسؤولية تجاه الممتلكات.
‎الكيلاني تلخص الأمر، بقولها "يدرك الطفل أن الأدوات التي يحافظ عليها يمكن أن تخدمه في العام المقبل، فيصبح أكثر وعيا في استخدامها".
‎وتؤكد أن العودة إلى المدارس كانت دائما موسما مبهجا للأسر، إلا أن الظروف الاقتصادية تجعلها اليوم موسما للتفكير العقلاني والابتكار المنزلي، بين الحقيبة التي تنتقل من يد إلى أخرى، والدفاتر التي تكمل مشوارها مع أخ أصغر، والمبادرات المجتمعية التي تحيي قيم التعاون، يمكن للأسرة الأردنية أن توازن بين فرحة العودة إلى الدراسة وحكمة إدارة الموارد.