عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jan-2019

الإســــراع نــحــــو مســتـقبـــل مــظـلــــم - سوزان ساوثارد
 «تروث ديغ»
الدستور - حين هبطت في مطار ناغازاكي في شهر تشرين الثاني الماضي، انضممت الى مجموعة من الرجال والنساء والاطفال اليابانيين الذين وقفوا في طابور بانتظار النزول من الطائرة. وكان معظمهم على الارجح عائدين الى الوطن في عطلة نهاية الاسبوع او جاؤوا بقصد زيارة الاهل والاصدقاء. لقد وجدت نفسي اتساءل، كم منهم يتذكر او يفكر في الدمار النووي الذي لحق بهذه المدينة قبل ثلاثة وسبعين عاما- خلال حياتهم التي عاشوها او حياة ابائهم او اجدادهم.
ركبت الحافلة من المطار متجهة بمحاذاة الساحل المتعرج عبر قرى جبلية صغيرة نحو ناغازاكي، ودخلت الى المدينة من جهة الشمال عبر طريق استعمله طاقم الانقاذ والاغاثة في التاسع من شهر اب لعام 1945، كما استعمله افراد العائلات المصدومين الذين سارعوا الى المدينة المحترقة في سبيل البحث عن احبائهم. وعلى مدى شهور تلت عملية الاسقاط، لم تتمكن اي وسيلة مواصلات عامة من اختراق الانقاض القائمة في الجزء الشمالي من المدينة. من جهة اخرى، تحركت الحافلة التي كنت استقلها بسهولة متناهية في المدينة الكبرى التي لم يظهر عليها اي علامة من علامات الطمس الذي حدث قبل ثلاثة ارباع قرن مضت. 
لقد طوى العديد من سكان ناغازاكي والعالم من غير شك صفحة ذاك اليوم الرهيب، عندما هبطت قنبلة بلوتونيوم تزن خمسة اطنان بسرعة 614 ميلا في الساعة باتجاه مدينة يبلغ تعداد سكانها 240 الف نسمة. وعقب ثلاثة واربعين ثانية، انفجرت على بعد ثلث ميل فوق وادي يوراكامي في ناغازاكي. وقد اضاء السماء في تلك اللحظات وميض بالغ اللمعان يجمع ما بين اللون الابيض واللون الازرق، ومن ثم تلاه انفجار مدو يعادل في قوته قوة 21 الف طن من مادة تي ان تي. لقد زلزلت المدنية بكاملها. وفي غضون ساعات كانت النيران قد اتت على جميع اجزائها.
واستنادا الى كتابي الذي يحمل عنوان ناغازاكي: الحياة عقب حرب نووية، ألقي في احيان كثيرة محاضرات في اميركا تتعلق بذلك اليوم الرهيب الذي لا ينسى (او الذي كثيرا ما يتم تجاهله حاليا) عندما رأى الانسان للمرة الثانية في التاريخ ان من الصواب الاعتداء على ابناء جلدته مستعينا بقوة تدميرية هائلة. وفي هذه الاحاديث المتعلقة بالكتاب، تعلمت ان اكون مستعدة تماما في حال قام احد الحضور معلنا بالقول ان الشعب الياباني قد استحق ما طاله. لا تزال هذه العبارة قاسية على الاذن. عند نقطة انفجار القنبلة، وصلت درجات الحرارة في ناغازاكي قيما تتعدى نظيرتها في مركز الشمس، في حين تخطت سرعة موجة الصدمة سرعة الصوت. في غضون ثلاث ثوان، بلغت درجة حرارة الارض في الاسفل ما يقدر بين 5400 الى 7200 فهرنهايت. وتحت القنبلة مباشرة، كربنت الاشعة الحرارية دون الحمراء لحوم البشر والحيوانات فورا، وحولت الاعضاء الداخلية الى بخار. هل استحق رجال ونساء واطفال ناغازاكي فعلا ما حدث لهم؟
وبينما صعدت السحابة الدخانية سريعا ارتفاع ميلين فوق وحجبت الشمس، سحق ضغط الانفجار العمودي للقنبلة معظم اجزاء وادي يوراكامي، اما رياح الانفجار الافقية فاخترقت المنطقة بضعف سرعة اعصار من فئة خمسة مرتين ونصف، مدمرة المباني والشجر والحيوانات والوف الناس. تسببت الحرارة الملتهبة في ثني الحديد وتفسخ الغطاء النباتي واحتراق المنسوجات واذابة جلد الانسان. اندلعت النيران في عموم المدينة واحرقت الاف البشر وهم احياء. وقد تسربت كميات هائلة من الاشعاع، اكبر من اي مقدار تلقاه انسان يوما، الى اجساد البشر والحيوان.