الأنشطة اللامنهجية.. ملاذ طلبة لنقل مشاعر الحب والتضامن لأقرانهم في غزة
الغد- منى أبوحمور
بالكوفية والثوب الفلسطيني، شاركت الطالبة ليلى مع زميلاتها في الصف التاسع بأداء مسرحية "غزة العزة" التي قامت مدرستها بتنظيمها مؤخرا، تضامنا مع الأهل والأشقاء في غزة.
في حصة النشاط، تمكنت ليلى والطالبات من تقديم عرض مسرحي حول الأحداث في غزة، بتسليط الضوء من خلال المشاهد التمثيلية على المعاناة التي يعيشها أبناء قطاع غزة من نساء وأطفال، جراء الحصار الشديد والقصف العشوائي الذي يقوم به الاحتلال.
"صبرا يا غزة العزة.. إن الله سينصرك.. ما هدمه الاحتلال سنبنيه بسواعدنا حتى شهدائنا لن تبكيهم أعيننا.. زلغطي زلغطي أما فقد زفيت الشهيد تلو الشهيد نحن قوم طهرنا أنفسنا وأرضنا من الغاصب".
بصوت عال وإحساس مثقل بمشاعر الألم وبالوقت ذاته فخر ببطولات أبناء غزة العزة "أهل الصمود والشجاعة"، أدت ليلى على خشبة المسرح دورها توافقا مع مجريات الأحداث منذ السابع من أكتوبر.
ليست المسرحيات وحدها ما قام بها طلبة المدارس تضامنا مع ما يشن من عدوان غاشم على غزة استهدف النساء والأطفال، لم يبق حجرا مكانه، ولم يسلم منه المسجد والكنيسة والمستشفى والمدرسة وحتى المخبز.
"سوف نبقى هنا كي يزول الألم.. سوف نحيا هنا سوف يحلو النغم.. موطني.. موطني ذا الإباء.. موطني موطني يا أنا رغم كيد العدا رغم كل النقم.. سوف نسعى إلى أن تعم النعم.. سوف نرنو إلى رفع كل الهمم.. بالمسير للعلا ومناجاة القمم.. فلنقم كلنا بالدواء والقلم.. كلنا عفو على من يصارع السقم.. فلنواصل المسير نحو غايات أهم.. ونكون حقا خير أمة بين الأمم"، بحناجر يملؤها القلق وبقلوب يملؤها الحزن وبعزيمة استمدها خالد ورفاقه في المدرسة من أطفال غزة، رددوا قصيدة "سوف نبقى هنا"، في محاولة لضم أصواتهم لصوت الأهل والأشقاء في غزة.
وفي مشهد آخر للتضامن الطلابي، مقالات رأي وقصص تعبيرية كتبها طلبة المدارس في المراحل التعليمية كافة ومسابقات شعرية دعما لغزة وتضامنا مع شعبها المقاوم، والتي قام بها الطلبة في معظم المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم.
في يوم تضامني مفتوح قامت به إحدى المدارس بعنوان "نصرة غزة"، شارك طلاب المدرسة من رياض الأطفال وحتى الصف التاسع بالعديد من النشاطات اللامنهجية تخللها عروض مسرحية وكلمات إلقائية وقصائد شعر، في حين قام مجموعة من طلبة الصف الثامن بعمل أوبريت إنشادي، أنشد خلاله الطلبة مجموعة من أغاني المقاومة بصوت عال وحماسي.
لم يقتصر التضامن على ذلك فحسب، وإنما تخلل تلك الأنشطة إعداد أكلات غزاوية تقليدية للتعريف بالتراث الفلسطيني، كتحضير الكعك الفلسطيني وأقراص الزعتر البدي والسماقية والزيتون بالزيت وغيرها من الأكلات الفلسطينية التي تم تحضيرها من قبل الأمهات وتوزيعها على الطلبة.
اليوم، نحن أمام حالة وعي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإعادة إحيائها من جديد، بحسب التربوي الدكتور عايش النوايسة، وبالتالي العيون كلها متجهة نحو غزة والقلوب متعلقة بالقضية الفلسطينية.
ويؤكد النوايسة ضرورة توظيف الأحداث الجارية في الحياة اليومية في المدرسة، ومن أهمها الأنشطة اللامنهجية سواء المسرحيات أو الفقرات الشعبية، والإذاعات الصباحية والأنشطة الإثرائية وكتابة القصة وغيرها من الفعاليات التي من شأنها تعزيز الانتماء لدى الطلبة على مختلف أعمارهم للقضية الفلسطينية.
اليوم ومن خلال المدارس ومديريات الأنشطة في وزارة التربية والتعليم، يجب أن يكون التوجه نحو إعادة إحياء القضية الفلسطينية في ظل الظروف القاسية التي يمر بها قطاع غزة، والمشاعر الجياشة التي يشعر بها الأطفال المراقبون لهذا العدوان الغاشم الصهيوني على أهل فلسطين.
ويقول النوايسة "اليوم فلسطين هي البوصلة وجميع الأطفال متسمرون أمام شاشات التلفاز والهواتف يتابعون ما يجري فيها". ومن المفيد توظيف ذلك بطريقة إيجابية من خلال إشراك الطلاب في الكتابة النثرية والشعرية أو المسرح وتعزيز النشاطات الثقافية.
ويمكن استغلال حصص النشاط الأسبوعية، بحسب النوايسة، وتوظيفها للتنوير في القضية الفلسطينية وعروبة فلسطين والصراع التاريخي بين فلسطين والاحتلال الصهيوني، وكذلك من خلال الكتابة البحثية التي من شأنها تنمية مهارات البحث لدى الطلاب وتجميع البيانات وجمعها ومعرفة الجذور التاريخية للقضية الفلسطينية، وتوظيف الأنشطة في تعزيز الجانب الإنساني في القضية الفلسطينية والإنسانية التي غابت عند الجانب الإسرائيلي، وتظهر من خلال الشعر والنقد والأدب الذي يظهر التسامح والإنسانية في الدين الإسلامي خلال الفترات التاريخية.
ويؤكد النوايسة ضرورة تركيز جل هذه النشاطات على القضية الفلسطينية وما يحدث في قطاع غزة من جرائم حرب، ومتابعة الأحداث الجارية من خلال المسرح والوسائل الرقمية لتصل إلى جميع الناس.
وتتفق في ذلك اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتور سعاد غيث، مبينة الدور الرئيسي والمهم للمدرسة باعتبار وجود معلمين مؤثرين على الطلبة ورفاق وهيئة إدارية وتعليمية عندما تعلن تضامنها مع القضية الفلسطينية وشعب غزة، وما يتعرض له من حصار وجرائم حرب وحشية يمارسها الاحتلال والمقاومة ضد المحتل حينها، تصبح هذه القضية أولوية لدى الطلبة.
وتلفت غيث، إلى أن ما يقوم به المعلمون والمعلمات في المدارس من نشاطات لامنهجية سيسهم بشكل كبير في تربية هذا الجيل على العروبة والدين المرتبطة بالقضية الفلسطينية، موضحة أنه الوقت المثالي لتعزيز هذه القضية في نفوس الأطفال على مختلف أعمارهم ومعرفة الدور الحقيقي ومواجهته من خلال الوعي والمعرفة.
تسليط الطفل الضوء، بحسب غيث، على ما يحدث في غزة؛ هذا القطاع المحاصر منذ عشرات السنين، ومعرفة دوره كطفل ومساهمته الحقيقية في الوقوف بوجه العدوان من خلال المقاطعة للمنتجات كافة والذهاب إلى المحال التي كانوا معتادين عليها وتدعم العدو الصهيوني، يعد جزءا من هذه التربية التي تعزز لديه فكرة أن له دورا مهما.
وتعتبر غيث، أن هذه النشاطات اللامنهجية لها الدور الكبير في إعداد الطلبة للحياة الحقيقية المجتمعية والواقعية التي يعيشونها عن طريق المعلمين من خلال الأنشطة اللامنهجية والفعاليات والإذاعة المدرسية، وتخصيص أوقات أسبوعية للحديث عن القضية الفلسطينية وتوزيع بروشورات وتنظيم وقفات سلمية يعبر من خلالها الطلاب عن تضامنهم بلغتهم الخاصة والقيام بصلاة الغائب.
ولعل من أهم هذه الأنشطة، بحسب غيث، إعطاء الطلبة فرصة للحديث والتعبير عن مشاعرهم تجاه ما يحدث في غزة وكل ما يقومون به سواء مقاطعة أو غيرها للتضامن مع غزة، لافتة إلى أن العمل المسرحي من الأنشطة النموذجية وتقرب الصورة إلى الأذهان والأطفال يتعاطفون أكثر، كذلك أندية القراءة تعد الأهم في هذه القضية وألا تكون مجرد تعاطف وحسب، بل معرفة قوية أيضا بهذه القضية.
وتقول غيث "يجب مناقشة بعض الكتب المتخصصة بالقضية الفلسطينية أو حتى الكتابات عنها، وربما أخذ خبر حي من غزة، لما لذلك من أثر كبير على الطلاب"، مضيفة "كذلك الكتابات التي تركها الشهداء والتصريحات التي يقوم بها الصحفيون داخل قطاع غزة، يجب مناقشتها مع الطلاب وتمكينهم من التعبير عن قضيتهم ببلاغة وطلاقة، كما هو الحال مع أطفال غزة الذين يعدون نماذج للصمود التي يجب على أطفالنا رؤيتهم والتأثر بهم".
متابعة أخبار غزة والقيام بأنشطة لامنهجية للطلبة، بحسب غيث، غيرت معنى الحياة لديهم وجعلتهم أكثر قربا ووعيا بالقضية الفلسطينية.