عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jul-2022

“دعونا ننسى أخطاء الماضي ونرتكب أخطاء جديدة”* حسني عايش

 الغد

شكلياً، تبدو الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ثنائية. أوكرانيا التي جرى فيها انقلاب انتخابي (1914) نازي أميركي على حكومة صديقة لروسيا الشريكة والجارة الكبرى.
منذئذ وروسيا تحاول تحجيم التداعيات الناجمة عن هذا الانقلاب، لكن التداعيات اتسعت وامتدت لدرجة قمع الأقلية الروسية في أوكرانيا ومنعها من التواصل بلغتها.
ظلت روسيا تحاول لملمة الموضوع دون جدوى، فقد حذرت وأنذرت وراسلت أميركا بمطالبها، ولكنها صُدت ورُدت على أعقابها. وقد أدى ذلك إلى تطاول أوكرانيا على روسيا وإلى سعيها إلى الانضمام إلى حلف الأطلسي، وبالتالي جلبه إلى حدود روسيا مباشرة لدرجة أن بوتين قدر أن رادارات هذا الحلف ستحرمه من الخصوصية في غرفة نومه. وهكذا اضطر الى القيام بحملة عسكرية لتأديب أوكرانيا وتحرير الأقاليم الروسية من قبضتها، ولمنعها من الانضمام إلى الحلف.
هذا هو الموقف الروسي، فالروس لا يحبون الحروب بعدما أكلوها في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي افغانستان، ولكن الغرب أصيب بالجنون على وقع العملية العسكرية الروسية، فهرع الى مساعدة أوكرانيا عسكرياً ومالياً واستخبارياً. أوكرانيا التي وصفها ترامب في حينه بأنها أفسد دولة على وجه الأرض ووجه أكبر التهم بالفساد وإلى ابن بايدين “هنتر” الذي كان يبزنس هناك.
وهكذا تحولت الحرب من ثنائية إلى حرب عالمية لكن بقيادة أميركية أوروبية ضد روسيا مرتين: مرة بتوريد الأسلحة كافة لأوكرانيا، ومرة بالعقوبات والمقاطعة الشاملة لروسيا التي لم يحدث لها مثيل في التاريخ وحتى النهاية، ومؤشرهما: هزيمة روسيا وانسحابها من أوكرانيا الى الحدود الدولية وإجبارها على دفع تكاليف إعادة بناء ما دمرته فيها.
وعلى أثر ذلك وجدت روسيا نفسها مضطرة إلى الرد، فطالبت الدول الأوروبية بدفع ثمن النفط والغاز بالروبل، ثم أخذت تقلص الإمدادات ثم أوقفتها بحجة صيانة المحطات والأنابيب، وإذا بالدول الأوروبية المعنية تتهم روسيا بالابتزاز وانتهاك العقود والاتفاقيات، متناسية أنها تشن حرباً مزدوجة بالوكالة عليها، وأنها تعتبرها عدوها الأول، فكيف تتوقع من روسيا مع ذلك مواصلة إمداد أعدائها بالطاقة ضدها، أي تمكينهم من مواصلة الحرب ضدها.
وفي موازاة ذلك استغلت أميركا هذه الحالة للضغط في اتجاه قطع صلات أوروبا النفطية والغازية مع روسيا وتحويلها الى مصادر أخرى. ولما لم يكن ذلك سهلاً أو عاجلاً فقد تأزمت الأوضاع الاقتصادية في اوروبا، فطلبت أميركا من أوبك العربية زيادة الإنتاج لملء الفراغ، وكادت توقّع على الاتفاقية النووية مع ايران لاستكمال ملء الفراغ معها لولا وقوف اسرائيل التي تتحكم في سياستها الخارجية الشرق أوسطية لها بالمرصاد.
وهكذا تعقدت الأمور غربياً، وبخاصة – للرئيس الأميركي وحزبه، إذ لا شيء في الدنيا أعز عليهما من النجاح في الانتخابات القادمة، لأن الفائز يحصل على جميع الغنائم، التي تملك إسرائيل الكثير من مفاتيحها.
وربما لهذا تتخلى أميركا منذ نحو سبعين عاماً عن الحق والحقيقة في فلسطين، وتنحاز إلى إسرائيل بصورة مطلقة وعمياء، فلا يتحرك فيها ضمير موضوعي، أو اخلاقي، أو انساني، ضد جرائمها اليومية ضد الشعب الفلسطيني البريء. وأوروبا تمضي وراءها فلا تصدقوهما فلسطينياً أبداً.
لا يعني هذا أن روسيا والصين أفضل بكثير – فلسطينياً – منهما. انهما يطلبان ود إسرائيل لتزويد طائراتهم الحربية بإلكترونياتها المتطورة، وتسعيان الى الوصول الى قلب أميركا بوساطتها. وهما لهذا وذلك يخشيان اسرائيل لأن عصمة أميركا بيدها.
أميركا وأوروبا اللتان تدعيان انتهاك روسيا لقيمهما في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ينتهكان هذه القيم بالطلب من اسرائيل تزويد أوروبا بالغاز (الفلسطيني) مع انها تغتصب فلسطين وتشرد أهلها وتبيدهم. أي أن جريمتها في فلسطين أكبر من جريمة روسيا في أوكرانيا التي تحالفا بالباع والذراع ضدها.
إن أميركا هذه التي تتباكى على هذه القيم المهدرة في اوكرانيا هي التي انتهكت على مدار الأيام هذه القيم في الخارج، فقد شنت حرباً في كوريا في خمسينيات القرن الماضي، وحرباً أخرى في فيتنام في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وغزت بنما واعتقلت رئيسها وسجنته حتى مات. وهي التي غزت العراق ودمرته أفقياً وعمودياً وتاريخياً وحضارة وبشراً، وجعلته لقمة سائغة لإيران.
والآن يأتي بايدن الى منطقتنا ليلقي علينا الدروس ويطلب منا دمج إسرائيل فيها مع أنه في الحقيقة يسعى إلى العكس وهو دمج المنطقة في إسرائيل، مضيفاً قليلاً من السكر إلى رحلته عن إيمانه بحل الدولتين الذي لن يفعل شيئاً لتفعيله على أرض الواقع: هل يجرؤ على المطالبة بخروج المستوطنين من الدولة الفلسطينية أو بوجوب خضوعهم لها؟ كله كلام يا عبسلام كما يقول إخواننا المصريون، ينطبق على بايدن في زيارته للمنطقة ما قاله ممثل مصري “دعونا ننسى أخطاء الماضي ونعمل أخطاء جديدة”.