عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2019

تهدید العقوبات نجح رغم وقف النار جزئیا - البروفیسور ابراھام بن تسفي
إسرائیل ھیوم
 
قبل 29 سنة، في 25 تموز 1990 ،عقد في بغداد لقاء محمل بالمصائر بین السفیرة الامیركیة ایبرل غیلسبي وبین حاكم العراق صدام حسین. وكان ھدف صدام الاساس في ھذا اللقاء ھو تشخیص ما ھي ھوامش المناورة، اذا كانت كھذه، التي ستمنحھا لھ ادارة الرئیس بوش الاب، اذا ما قرر غزو الكویت المؤیدة للغرب. ولھذا الغرض ادخل في حدیثھ تلمیحات مكشوفة عن نوایاه للعمل، الا اذا استجیبت طلباتھ الاقتصادیة والاقلیمیة من الجارة الكویتیة. ولمفاجأتھ، امتنعت غیلسبي عن اتخاذ موقف في النزاع، الذي وصفتھ بالمواجھة العربیة الداخلیة، التي لا ترتبط على الاطلاق بالولایات المتحدة وباستراتیجیتھا الاقلیمیة. وھكذا اشارت لھ الى أن مسار احتلال الكویت مفتوح على مصراعیھ من ناحیتھا. وبالفعل، على خلفیة الضوء الاخضر الذي كان صدام مقتنعا بانھ حصل علیھ، لیس مفاجئا انھ بعد مرور اسبوع، في 2 آب 1990 ،بدأت قواتھ في غزوھا للكویت. وحقیقة أن الضوء الاخضر استبدل في نھایة الامر بضوء احمر فاقع، نتائجھ على العراق كانت ھدامة، تشدد فقط كم كان ھذا حیویا بالنسبة للقوة العظمى الامیركیة ان توضح في الزمن الحقیقي ما ھي الخطوط الحمراء، التي سترد على اجتیازھا بكل الوسائل.
المعزوفة تعود من جدید
الیوم، مع مرور ثلاثة عقود تقریبا، تعود المعزوفة من جدید، وھذه المرة بالصلة بقرار الرئیس ترامب سحب القوة الامیركیة الصغیرة المرابطة في شمالي سوریة. ومثلما في حدیث غیلسبي مع صدام، ھكذا ایضا في مكالمة ترامب مع الرئیس التركي رجب طیب اردوغان، والتي جرت في 6 تشرین الاول 2019 ،امتنع البیت الابیض عن استخدام أي روافع ضغط على انقرة، لردعھا عن استغلال الوضع الجدید في الساحة ومنحھا عملیا ضوء اخضر في أن تطلع ترامب الى ان یقلص الى الحد الادنى الدور الامیركي العسكري في ساحات ذات اھمیة ثانویة او ھامشیة بالنسبة لھ (بما فیھا سوریة وافغانستان) كان وما یزال مدماكا مركزیا (وتحققھ في منطقة الشمال السوري تعد بالتالي في نظره كتنفیذ لوعد قطعھ للناخب)، أخطأ في تقدیر الرد في الداخل (وفي الخارج) على الخطوة.
وبالفعل، فان الانتقاد اللاذع الذي اطلق على تلة الكابیتول (والذي شارك فیھ غیر قلیل من زملائھ الجمھوریین في المجلسین (على خلفیة ھجرانھ الشریك الكردي في الصراع ضد داعش، فاجأ واحبط الھیمنة الامریكیة وكشف عن الضعف في عملیة اتخاذ القرار على مستوى القائد، مثلما ایضا في عمل القیادة التي حولھ. ھكذا حصل بأنھ رغم صحوتھ السریعة، وفي غضون ثلاثة ایام فقط، في 9 تشرین الاول، اضاف الى قرار الانسحاب من سوریة رزمة عقوبات اقتصادیة وتھدیدات فظة تجاه انقرة، حقیقة ان الرسالة الحازمة التي نقلھا ترامب الى اردوغان صاغھا ھو بشكل غیر دبلوماسي على نحو ظاھر، جعلت الاسلوب نفسھ موضع الحدیث الداخلي والدولي.
وذلك على حساب الجوھر وفي ظل تجاھل ان سوط العقوبات فعل فعلھ وسرعان ما شق الطریق لبلورة اتفاق وقف النار واستقرار الجبھة – وان كان مؤقتا وجزئیا – حتى قبل ان یتحقق سیناریو الرعب بالتطھیر العرقي للاقلیم الكردي المنھار.
فضلا عن ذلك، فان حقیقة ان قرار الانسحاب خلق احتجاجا واسعا بین الجمھور وفي الكونغرس، انتقل ایضا الى داخل صفوف حزبھ رفعت الى جدول الاعمال مسألة قدرة الرئیس الـ 45 على قیادة معسكر جمھوري متراص الصفوف تمھیدا للانتخابات للبیت الابیض في مواجھة التحدیات من الداخل (بما فیھا مبادرة العزل، التي تواصل التدحرج ببطء في مجلس النواب). ولكن على ھذا الصعید یبدو أن التھدید على مكانة ترامب كزعیم لا جدال فیھ للحركة الجمھوریة لیس طفیفا. وھذا لا یتعلق فقط بان قراره في أن ”الشعب الناخب“ سیركز على تقدیر دوره وانجازاتھ في المجال الداخلي ولیس الخارجي بل ان المنتخب الدیمقراطي الحالي لا یتخذ صورة من یعرض مكانتھ للخطر على الاطلاق. العكس ھو الصحیح. فالمرشحون الثلاثة الكبار في السباق (الیزابیت وورن، جو بایدن وبیرني ساندرز) یبثون ھزال المادة اكثر من أي شيء آخر. ولیس ھذا فقط، بل ان من یتصدر الان المجال الدیمقراطي، السناتورة وورن، تبدو ضعیفة على خلفیة مواقفھا الاجتماعیة – الدیمقراطیة الواضحة التي تقربھا من النموذج الاسكندنافي لدولة الرفاه. وفي نفس الوقت تبعدھا سنوات ضوء عن الفكرة الامیركیة التي تقوم على الفردیة والمبادرة الحرة دون قیود حكومیة عمیقة.
وبالتالي، فان السؤال الذي یطرح نفسھ ھل سیستغل المكتب البیضوي ھذه النافذة الواسعة من الفرصة التي وقعت لھ في ضوء ضعف الخصم الدیمقراطي أم ربما سیراوح في المستنقع المحلي في ظل اظھار التوتر المتصاعد؟ سؤال آخر ھو ھل فك الارتباط الامیركي عن میدان القتال السوري سیخلق ردود فعل متسلسلة تفترض من الشركاء والحلفاء (ولیس فقط الخصوم) استخلاص الدروس واعادة الانتشار في ضوء تصمیم الادارة على الانطواء كثر فأكثر في داخل القارة الامیركیة؟ ان الاسابیع والاشھر القادمة ستشیر الى این تھب الریح في اوساط اللاعبین الاقلیمیین والدولیین معا ولاین تتجھ دوامة المعركة.