عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2019

لا أقول وداعا للغد - د.أحمد جمیل عزم
 الغد- مضى على كتابتي في صحیفة ”الغد“ ما یزید على أربعة عشر عاماً، وتراوحت الكتابة بین مقال . كنت قبل ذلك، وبالتوازي ، أكتب في ص ٍحف أخرى، بالعربیة وخمسة مقالات أسبوعیّاً والانجلیزیة، قبل ان أقرر التوقف عن الكتابة في أي صحیفة باستثناء ”الغد“، وذلك لرغبتي بإعطاء وقت أكبر للبحث والأكادیمیا. كان اختیار ”الغد“؛ من بین صحف أخرى، مھماً بسبب تمیز  جمھورھا، وخط ُ ھا التحریري المریح والممتع والمھم.
في الأوقات التي كتب فیھا أربعة أو خمسة مقالات، ”برمجت“ نفسي على كتابة ثلاثة مقالات في  الشأن العربي- الإسرائیلي، وذلك بناء على اتفاق مسبق مع ھیئة تحریر الغد، وساعدت ھذه الكتابة في حفزي على الاستمرار بالاحتفاظ بسجل للأخبار، وقراءة الصحف الإسرائیلیة وصحف عربیة یومیاً، وإدامة الاتصال مع العاملین في الشأن السیاسي، وكان بعضھم یفاجئني، بالاتصال والتعلیق.
وكان یوم الأربعاء یوم مراجعة الدوریات العالمیة المختصة، وشؤون النظام الدولي وما یحیط بھ من نظریّات وأفكار، لیكون مقال الخمیس، قدر الإمكان، على تماس مع شؤون النظامین الدولیین، السیاسي والاقتصادي، والنظریة. أما یوم الجمعة، فلا أزال أذكر یوم كنت قد قضیت ساعات في إعداد مقال سیاسي عادي، مستمتعاً ّ بالقراءة وتطویر الفكرة، عندما خطر لي أن أحد أھم بدایات مسیرة الكتابة والقراءة عندي، كانت مكتبة أطفال في جبل عمان، تتبع بشكل أو آخر جمعیة أصدقاء  الطفل، فكتبت َ مقالا بِ ّ عنوان ”روح عم ّ ان مكتبة أم عماد“، عن عمان الثمانینیات، وأعاد لي ھذا المقال أصدقاء وصدیقات زمن الطفولة والكلیة العلمیة الإسلامیة، ودون تخطیط، في البدایة، تحول مقال ”الجمعة“ للشأن السیاسي الإنساني، وخصوصاً الفلسطیني والأردني. وقادني الأمر إلى جلسات على أرصفة مراكش في المغرب، مع شبان وشابات ھناك، یروون لي كیف دخلت فلسطین حیاتھم فشكلوا لجان تضامن، وأصبحت جزءا من بكائھم وفرحھم وحیاتھم ونشاطھم، وفي مسارح وساحات كامبردج ولندن في نشاطات الشعر والغناء والتضامن. وبلجیكا، حیث یخلط أسرى محررون ومبعدو كنیسة المھد في بیت لحم، حدیث الوطن بالإشارة إلى الشوكولاتا البلجیكیة. بینما  مقالاتي عن الكلیة العلمیة الإسلامیة، ومؤسسة عبدالحمید شومان، وعمان دفعت شباناً، بمن فیھن  من خارج الأردن، لعشق جبل عم ّ ان، وعمان، وكان ھذا وساماً أعتز بھ.
صرت أشعر أحیاناً، وانا أكتب عن الثورة الفلسطینیة بكلماتي، كأني كنت مع الذین كتبوھا (كما ُ یقول صدیق فدائي) بأرواحھم وسواعدھم ودمائھم. وزاوجت السعي في الأرض الفلسطینیة، من َبیوت مناضلین حاصرت المستوطنات الإسرائیلیة بیوتھم ومزارعھم، في مسحة شمال الضفة الغربیة، وللبن الشرقیة وسطھا، وبیت لحم والخلیل جنوبھا، وبین أشجار الزیتون المحاصرة، وفي  قرى الخ ُ یام (أحفاد یونس مثلا) المقامة في وجھ الاستیطان، مع الكتابة عن الزمن الماضي. ومشیت مع شباب غزة، نتأمل غزة التاریخیة الأثریة القدیمة، كما شوارعھا الحدیثة وشعارات الجدران علیھا، وأسماء عربات القھوة، وقصص القصف لیلا وكیف یتفاعلون معھا. ٍ كان فخرا لي أن دعتني، قبل أعوام، عائلات شھداء یوم عید الحب14 شباط (فبرایر) 1988 ،قادة  الطلابیة، حمدي التمیمي، وأبو حسن بحیص، ومروان كیالي، إلى تأبین لھم، في یطا في السریّ الخلیل، لأفاجأ، بمفاجأَتھم، أني لم أكن مع الشھداء، فقد ظنوني أكتب من الذاكرة. وفي مقھى في رام الله تقف فتاة وتبلغني أن مقالي عن حنا میخائیل (أبو عمر)، دفعھا لأخذ قرار العودة لفلسطین.
جعلتني الكتابة في الغد، والتي كان مقالي فیھا ینقل بعدة صحف ورقیة والكترونیة، أدخل عوالم كثیرة. كنت أحیاناً أكتب مقالي في عواصم ومدن حول العالم، بدون كھرباء، وأعاني للعثور على ”انترنت“ لإرسال المقال في موعده، بعد ضبط عدد الكلمات. كتبتھا بجھد ومشقة واستمتاع ودموع.
أجد وقد بدأت مھمة وعملا جدیدین، في موقع لا تبدو فیھ الكتابة المنتظمة في الصحافة ممكنة، لأسباب مھنیة، وموضوعیة، مختلفة ومتعددة، لذلك استأذنت ”الغد“ التوقف عن الكتابة المنتظمة، لصالح كتابات متفرقة، لا یمسھا أي تضارب بین عملي وكتابتي. وعلى أمل أن تصبح الكتابات المتفرقة المقبلة أكثر نوعیةً، مع العمل على استمرار العلاقة مع جمھور ”الغد“ والصحف الأخرى بجمالھا.