عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Nov-2022

عودة نتنياهو.. قراءة أردنية* سائد كراجة

 الغد

أعتقد أن نتنياهو لم يذهب حتى يعود، فقد أجمع الخبراء على أن اليمين الصهيوني بشقيه المتدين والعلماني في نمو وتقارب منذ ربع قرن، وحتى اليسار الذي تغنى ويتغنى به بعض العرب فإنه لا يختلف عن اليمين الصهيوني عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، وأيضا فإن هذا اليسار إن كان فيه بعض الاختلاف فإنه الآن في ذيل قائمة الكنيست بأربعة مقاعد بعد أن كان يحصد حوالي خمسين مقعدًا!
المختلف مع نتنياهو أنه – وعلى عكس أغلب رؤساء وزراء إسرائيل- جهر باستعداده لإسقاط دور الأردن وحتى نظامه وهويته خدمة لمشروعه بتذويب القضية الفلسطينية وترحيلها لهامش الاهتمام الدولي واستبدال قضية المنطقة من القضية الفلسطينية إلى قضية الصراع مع إيران، وبالتالي حلها بإلغاء جميع حقوق الفلسطينيين في الجغرافيا والديمغرافيا والقانون الدولي، وقد تمثل ذلك أكثر ما تمثل في صفقة القرن التي كانت على الطاولة الدولية بقوة قبيل رحيل ترامب والتي ما تزال مرشحة للرجوع بعودة ترامب المرجحة، وهي الخطة التي تضمر وتجهر بحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن بمشروعي الوطن البديل والترانسفير.
في معرض الحديث عن استعداد الأردن لعودة نتنياهو وعودة ترامب يتحدث السياسيون والخبراء بل يجمعون على ضرورة تعزيز وتمكين الجبهة الداخلية، والمقصود هنا تحصين الأردن لمواجهة مشروع الوطن البديل الذي نادى وينادي به كثير من قادة الكيان الصهيوني وأحيانا من داخل الكنيست، وعلى رأسهم نتنياهو وحزبه وتكتله الصهيوني.
وفي رأيي الشخصي أن الجبهة الداخلية الأردنية محصنة واقعيا في مواجهة هذا المشروع وأن خيال وتحليل اليمين الإسرائيلي بأن جزءًا من الشعب الأردني جاهز لاستقبال وتنفيذ مشروع وطن بديل أو ترانسفير هو وهم سياسي وواقعي، فكل مكونات الشعب الأردني ترفض هذا المشروع حماية للأردن وفلسطين، والانقسام الذي يتم حول مباراة كرة قدم أو حتى ما نراه ونسمعه في وسائل التواصل الاجتماعي لا ينسحب على قضية مثل الترانسفير أو الوطن البديل.
أعتقد أن تمكين الجبهة الداخلية يجب ألا يبدأ من خوف من مكون داخلها أو تحسبا من موقف مهادن لمشروع الوطن البديل فهذا التوجه يصب في تقسيم الجبهة الداخلية باعتبارها جبهات داخلية منقسمة، وأنا شخصيا أعتقد أن هذا الفهم وقبوله والتعامل مع الموقف من خلاله يخدم المشروع الصهيوني بدلا من أن يستعد له وأن فهم الجبهة الداخلية من خلاف حول مباراة كرة قدم ليس بالضرورة فهم حقيقي لطبيعة مصالح الناس ومواقفها في الدفاع عن الأردن أرضا وهوية ودستورا وشعبا.
تمكين الجبهة الداخلية يجب أن يبدأ من مفهوم حماية الدستور والوقوف على تنفيذ مفاهيمه ونصوصه وعلى رأسها المواطنة والمساواة بين المواطنين أمام القانون والمساواة في التنمية وتكافؤ الفرص في التعليم والصحة والمواصلات وهذا للمواطنين، كل المواطنين، وإن التحديات على تنوعها تعمُّ الجميع بشكل أو آخر، وهنا فإنك لا تتعامل مع دعوات حقوق منقوصة بل مع واجبات الدولة نحو المواطنين الذين يجمعهم الدستور وهذا أمر يتجاوز تعصب فصيل لنادي كرة قدم أو شكوى فصيل آخر من إجراءات حكومية أو روتينية أمام مؤسسات تنفيذ القانون.
بهذا الفهم ينهض التحدي الاقتصادي والبطالة كأهم تحد أمام الدولة الأردنية، لا أقول إن العاطلين عن العمل سوف يتقبلون أي مشروع ضد الأردن ولكن البطالة خاصرة ضعيفة للدخول منها لزعزعة تماسك الوطن- لا سمح الله- إلى جانب ذلك، فإن على الدولة أن تتبنى بشكل صريح ونهائي مبدأ صون الحريات الفردية والجماعية للأردنيين وترك الحراك الحزبي الأردني ينمو عضويا ليشكل بيئة حقيقية حرة للإصلاح السياسي الذي نرنو إليه.
إن وعي الأردنيين لخطر المشروع الصهيوني على الأردن قديم قدم تشكيل الإمارة وإن نضال الأردنيين ضد هذا المشروع قديم متجدد وإن الشعب بكامل مكوناته جاهز لصد أي عدوان على الأردن وهويته وأرضه وشعبه، والأردن من هذه الزاوية غير عاجز وليس منعدم الخيارات، فللدولة أن تطمئن من هذا الجانب وعليها أن تصب جهدها نحو القيام بواجبها الدستوري للتغلب على التحدي الاقتصادي بتنويع خياراتها وتحالفاتها الاقتصادية والسياسية وبالعمل على ترسيخ سيادة القانون والمساواة أمامه وضمان تكافؤ الفرص في التعليم والصحة والمواصلات خصوصا، الشعب مستعد لعودة نتنياهو أو غيره وليس علينا أن نقلق من جهة تخوم المواطنين، ولكن الباقي على الحكومات في العمل على تمكين الجبهة الداخلية بتطبيق مفاهيم ونصوص الدستور وبتنويع خياراتها الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية وتوسيعها، فاهم علي جنابك!