عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Feb-2019

مقيـــاس النصــــر علــــى الإرهـــــــاب

 

افتتاحية - «كرستيان سيانس مونيتور»
 
ان عزم الرئيس ترامب اعلان النصر على المعقل الاخير للجماعة المسلحة يعتمد على نوع واحد من النصر اللازم لاجتثاث جذور الارهاب. ففي وقت معين من الاسبوع المقبل، يأمل الرئيس ترامب اعلان النصر على الدولة الاسلامية. ومن المتوقع ان يسقط المعقل الاخير للجماعة المسلحة في سوريا، وهو بقعة صغيرة تبقت من خلافة امتدت فيما مضى لتشمل تقريبا نصف مساحة سوريا وثلث مساحة العراق. ومن المحتمل حينذاك ان يستغل هذا النصر الاقليمي كسبب من اجل سحب ما تبقى من قوات الولايات المتحدة في سوريا. 
 
على الرغم من ذلك، فان الرئيس، كما هي حال كثير من القادة السياسيين، سيتصف بالحكمة اذا ما وسع تعريف النصر على الارهابيين ليتعدى معاودة السيطرة على الاراضي او عدد من قتل من الارهابيين. اذ ان مسببات عنف الجهاديين عميقة، وتتطلب ضروبا مختلفة من النصر لا يلحظها الكثير في غالب الاحيان. فهي تكمن في اعادة اعمار المجتمعات الاسلامية وحياة الافراد الميالين الى ممارسة الارهاب.
في حين ان الحملة العسكرية المستمرة منذ اربع سنوات على الخلافة بقيادة الولايات المتحدة قد نجحت، يظل الالوف من مقاتلي الدولة الاسلامية العنيدين طليقي السراح. وقد عاد كثير منهم الى اساليب المتمردين التي تشمل التفجيرات والاغتيالات، ساعين الى تقويض المجتمعات الضعيفة من الداخل. وللجماعة جهات تابعة توجد في انحاء من اسيا وافريقيا. وتتمثل المعركة الفاصلة في مثل هذه البقاع، ربما في اعقاب حملة عسكرية في سبيل تطهير قرية او مدينة من الجهاديين، في تغيير الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية التي تشجع على تفريخ الارهاب.
ان مثل هذه الانتصارات تتزايد على مستوى العالم. اذ ان عدد القتلى الذي سقطوا جراء الارهاب يتراجع باطراد مقارنة بالذروة التي وصل اليها في عام 2014، وفق مؤشر الارهاب العالمي الاخير. وعلى الرغم من ان الارقام لا تزال مرتفعة جدا مقارنة بالمستويات التي كانت عليها قبل عام 2001، الان ان الكثير من الدول اصبحت افضل في التعامل مع الاسباب الجذرية. وتوجد في العراق الان حكومة جديدة افضل اداء منذ هزيمة داعش في عقد المصالحة مع السنة والشيعة والاكراد. وفي نيجيريا، التي عانت من هجمات متكررة شنتها بوكو حرام، ينتافس السياسيون على بناء المدارس وتحسين مستويات المعيشة في منطقة الشمال الغربي التي تعاني الخراب. وفي الفلبين، سيؤدي الاستفتاء العام الذي اجري في الشهر الماضي الى اقامة كيان ذاتي الحكم في الجنوب ذي الاغلبية المسلمة، والذي كان مسرحا للتمردات الاسلامية على مدى عقود.
وفي افغانستان، عقب 17 عاما من اعادة بناء الديمقراطية، بدأت المفاوضات التي ترمي الى انهاء الحرب مع الطالبان، املا في ان تنقلب الطالبان على الجهة التابعة لداعش. وتواصل تونس تقديم نموذج للدول العربية في توسيع الحريات واظهار كيف يمكن لحزب سياسي اسلامي ان يعتنق الديمقراطية. وتعد اندونيسيا، البلد الاسلامي الاكثر تعدادا سكانيا في العالم، مثالا على اعادة تاهيل المحاربين الاسلاميين وخلق مجتمع يستوعب الجميع سعيا الى اعادة دمجهم.
وتظهر هذه الامثلة ان نوعية السلام القائم اكثر اهمية من حجم القدرات الحربية. هل تحسن الدول انظمة العدالة والامن في الحياة اليومية وفرص العمل والتناغم بين الجماعات العرقية والدينية؟ هل قدمت حججا مقنعة تدحض بها العنف الديني؟ هذه الانتصارات لا تحمل معها دائما المقدار ذاته من نشوة النصر العسكري. ان قياسها اشد عسرا وتحقيقها اكثر صعوبة في غالب الاحيان. انها تنظر في المصالحة ما بين القلوب التي عارضت فيما سبق وبين الجنود الاقل ميلا الى الاستعراض العسكري عند الفوز.