عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-May-2019

الإعلام والشهر الفضیل - أسامة شحادة
الغد- عبر تاریخ الأمة المسلمة الممتد لـ1400 ُ عام، یستقبل الشھر المقدس -شھر رمضان المبارك- بكل تعظیم وتبجیل وتقدیر یلیق بمكانتھ، فھو الشھر الذي أنزل فیھ الكتاب المقدس ”شھر رمضان الذي ّ أنزل فیھ القرآن ھدى للناس وبینات من الھدى والفرقان“ (البقرة: 185 ،(وفیھ أیضاً لیلة القدر، وھي خیر لیالي العام بسبب نزول القرآن أیضاً ”إنا أنزلناه في لیلة القدر* وما أدراك ما لیلة القدر*
لیلة القدر خیر من ألف شھر“ (القدر: 1-3 ،(فبسبب نزول الوحي الرباني المقدس تقدس شھر
رمضان وأصبح موطن البركة والرحمة والمغفرة، ولذلك جاء الوعید الشدید لمن أدرك الشھر  المقدس وخرج منھ ولم یغفر ذنبھ!
َّ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنھما، أن َ النبي صلى الله علیھ وسلم رِق َّ ي المنبر، فلما رقي الدرجة الأولى قال: ”آمین“، ثم رقي الثانیة فقال: ”آمین“، ثم رقي الثالثة فقال: ”آمین“، فقالوا: یا رسول الله،
سمعناك تقول: آمین ثلاث مرات؟ قال: ”لما رقیت الدرجة الأولى جاءني جبریل -علیھ السلام-
ُ خ منھ ولم ی َغف َ ر لھ، فقلت: آمین، ثم قال: شِق ٌ ي عبد َ أدرك والدْیھ فقال: شِق ٌ ي عبد َ أدرك رمضان فانسلَ َ كرت ِّ عنده ولم یصل علیك، فقلت:
َ أو أحد ُ ھما فلم ی ِدخ َ لاه الجنة، فقلت: آمین، ثم قال: شِق ٌ ي عبد ذُ  آمین“، أخرجھ البخاري في كتابھ ”الأدب المفرد“ وصححھ الألباني.
ّ وقول جبریل ”رغم أنف“ دعاء علیھ بالذل والخزي بأن یلصق أنفھ بالأرض، وقد أمن على ھذا الدعاء النبي صلى الله علیھ وسلم، ذلك أنھ في شھر رمضان المقدس تصفد الشیاطین وتفتح أبواب الجنة ویعتق الرحمن في كل لیلة منھ عتقاء كثیرین، ویمتنع المسلم عن الطعام والشراب واللذة لیتخفف من عالم الأشیاء ویتفرغ للعلاقة با عز وجل بالطاعة التامة لھ والتفرغ لتلاوة القرآن وصلاة القیام، فمن ضیع ذلك كلھ وأعرض عن أسباب المغفرة فھذا مخذول.
ولقد عاشت أمتنا المسلمة طیلة تاریخھا وھي تستقبل رمضان بالطاعات والنوافل والمستحبات،
ولكن في العقود الأخیرة بدأت مرحلة غریبة عن تاریخ الأمة المسلمة وھي استقبال رمضان بكل
أصناف الفحش والمنكرات والتوافھ، بل وأصبح ھذا الزمن المقدس موسما ینتظره الفجار والأشرار
للتنافس في عرض شرورھم ومنكراتھم، وللإعلام قصب السبق في ذلك!
ولقد ضج من ھذا الإسفاف قطاعات كثیرة من الناس لما تمادى فیھ السفھاء والأشرار من غي
وفجور في زمن مقدس بكل وقاحة وصفاقة، فھذه الزمیلة حنان الشیخ تكتب في ”الغد“ بعنوان
”دراما رمضانیة 18“ :”+ما یعرض ھذه الأیام على القنوات الفضائیة لا یرقى لكونھ مقبولاً للمشاھدة من قبل العائلة العربیة لا في شھر رمضان ولا شوال!“؛ حیث انتقدت مضمون مسلسل ”الھیبة“ السوري وترویجھ لمساكنة الفتیات العازبات لشباب عزاب في شقق مشتركة، في ترویج صارخ للقیم الغربیة المنحلة! وتقدیم بطل المسلسل كتاجر مخدرات یكسر القانون بدون اكتراث، وكیف أن الإعلامیة المشھورة جعلت من جسدھا سلما للشھرة!
وأیضا الزمیل إبراھیم جابر كتب في ”الغد“ مقالاً بعنوان ”ما یحدث قبل أذان المغرب“، قال فیھ:
”علینا أن نعترف بأن شھر رمضان المنذور للعبادة لم یعد لھ في الإعلام العربي أي علاقة بالعبادة،
وأن ما یحدث على شاشة التلفزیون ھو استخفاف بقیم رمضان ومعانیھ، ومتاجرة بھ“.
وھذا التدنیس الإعلامي للشھر المقدس یقوم على مستویات عدة، ھي:
1 – إشغال الزمان المقدس بالشھوات والملذات، ففي انتظار أذان المغرب -وھو وقت دعاء وابتھال
فردي- یتم بث ملھیات عن ذكر الله عز وجل تحت عناوین رقص صوفي أو موسیقي مع مذیعات
مائعات!
وعلى مائدة الإفطار لا یتركون لك فرصة لتفكر بشكل إیجابي تجاه صومك، فتراھم یشحنون فترة
الإفطار ببرامج ھابطة في كلماتھا وفكرتھا وأثرھا.
ومن ثم یتم إشغال وقت صلاة العشاء والتراویح وقیام اللیل وتلاوة القرآن بالمسلسلات الھابطة
والإعلانات الخادشة للحیاء والبرامج الوقحة حتى وبذلك یضیع الزمن المقدس بدون صلاة أو ذكر أو تلاوة للقرآن أو دعاء للرحمن واستغفار، بل
یملأ بشھوات مسعورة ولَذات محرمة مسمومة، وتتضاعف المصیبة في قضاء ھذا الوقت في المطاعم والمتنزھات؛ حیث یضیع ھذا الوقت المبارك مع الشلة في لعبة شدة أو طاولة مع شیشة وسھرة طربیة!
2 – تھیج النفس على الاستھلاك والتعلق بالأشیاء في الشھر المقدس الذي یدعو للترفع عن المادة
والأشیاء والاعتناء بالروح والتعلق بعالم الغیب والوحي وقراءة القرآن.
فتجد الفضاء مزدحما بالإعلانات عن كل أصناف الطعام من كل أقطار الدنیا، ویصبح شھر رمضان فرصة لتجربة كل أنواع الحلویات في المجرة، ومؤخراً أصبح الشھر المبارك موسما للتنزیلات وتبدیل العفش والسیارة وقضاء الإجازات في المصایف!
وھذا كلھ تفریغ للشھر المقدس من حقیقتھ وروحھ، والتي تبغي تحریر الإنسان من العبودیة للأشیاء
ِ كما أرشدنا نبینا علیھ الصلاة والسلام، بقولھ: ”تع ْ س عبد الدینار والدرھم والقطیفة والخمیصة، إن
ِعط ُ ي رضي، وإن لم ی َعط َ لم یرض“ رواه البخاري.
ومتى تحرر الفرد والمجتمع من عبودیة عالم الأشیاء= عالم الاستھلاك اقتربت النھضة واقترب النصر، فما المدیونیة الضخمة التي ترزح تحتھا الأسر والشعوب إلا نتیجة حمى الاستھلاك التي تدیم ھیمنة الرأسمالیین على العالم، فكلما تحرر المسلم من ھیمنة الأشیاء والاستھلاك النفعي غیر المنتج نجا من نیران القروض الربویة ونجت مجتمعاتنا من ضغط المدیونیات الخانقة.
فمن أدرك حقیقة العبودیة  عز وجل وعقیدة التوحید یفھم كیف أن العبادات كالصیام تقوي الفرد
ٍ المسلم والمجتمع المسلم للتحرر من العبودیة لغیر الله عز وجل ومقاومة كل ظالم ومعتد ومحتل،
ولذلك یتحالف الرأسمالي الجشع مع الإعلامي الانتھازي لاستدامة الھیمنة على الشعوب وتخدیرھا
بالشھوات والملذات الاستھلاكیة، وھذا أمر ینطبق على عالم الإعلام من ھولیوود حتى أصغر قناة
في العالم.
3 – في الوقت الذي یجب فیھ الصیام عن الشھوة الحلال بین الأزواج، یقوم الإعلام بتدنیس قداسة
شھر القرآن الكریم بالتركیز على ترویج وتزویق كل الشھوات المحرمة من الزنا والشذوذ بكل صورھما وأشكالھما وبشكل مباشر وغیر مباشر، فغالب الدراما الرمضانیة تقوم على خیانة الزوج والزوجة، أو تحرر العلاقات، أو أن غالبیة الموالید ھم غیر شرعیین، وأن ھذه ھي الحالة الطبیعیة في المجتمعات الإسلامیة، كما یفعل مسلسل ”العاصوف“ السعودي، وأن رفض ومنابذة الزنا والإباحیة ھي حالة شاذة تسببت بھا الصحوة الإسلامیة!
وتدنیس المضمون الإعلامي في الشھر المقدس لم یعد یقتصر على المضمون الشھواني بل ضموا
إلیھ تدنیس المضمون الفكري من خلال إبراز وتلمیع بعض العاھات الفكریة وتقدیمھا للجمھور بوصفھم مفكرین متنورین یقدمون الإسلام المعتدل والدین الوسطي، بینما في الحقیقة أن ھؤلاء من أشد الناس عداوة للدین والإسلام، وقد نجح الجمھور والمجتمع في الضغط ھذا العام لإیقاف إحدى ھذه المھازل بعد بث حلقتین منھا في مطلع رمضان على إحدى الشاشات الخلیجیة.
وھذا الحال الفاسد یلقي على الصائمین والصائمات مسؤولیة الوعي بخطورة ھذه الحرب، والتصدي لھا بشكل إیجابي، بالمقاطعة التامة للكثیر من المنابر الإعلامیة المدنِّسة لقداسة شھر رمضان، والحرص على تحقیق مقاصد الصوم، وھي تقوى الله عز وجل والارتباط بالقرآن الكریم وعقائده وأحكامھ، والصبر على ذلك وتعاھد الأھل والأبناء والأصدقاء