الغد
نجحت قطر في أن تجعل حادثة الاعتداء الآثم عليها، "نقطة حرجة" لمسار التطرف الصهيوني لكيان الاحتلال، خصوصا أنها استطاعت، وفي زمن قليل، حشد جميع دول العالم العربي والإسلامي على موقف واحد رفض العدوان وأدانه، وأقر دعمه لحق الدوحة في أي إجراءات أو خطوات تتخذها لمواجهة التغوّل الصهيوني، ولحماية أمنها واستقرارها وسلامة شعبها.
التعاطف الكبير والدعم القويّ الذي حظيت به قطر، فتح الباب أمام "شهية" الشارع العربي لتوقع رد فعل قوي من دول المنظومة العربية والإسلامية، يضع الحدث في معياره الحقيقي الخطير الذي عبر عنه بوضوح، ويقطع الطريق على الكيان للقيام بأي "مغامرات" خطيرة جديدة، أو لعب بمصير استقرار المنطقة برمتها.
لكن، ماذا بعد القمة؟
هل تملك المنظومة العربية والإسلامية خريطة طريق واضحة وواقعية، تستطيع من خلالها معاقبة الكيان على إجرامه، وردعه عن القيام بأي أعمال عدائية أخرى تجاه أي دولة من دول المنطقة؟ والمهم في هذا السياق، هو مدى إمكانياتها في التأثير الفاعل والضغط لإيقاف التطهير العرقي في غزة، ووحشية المستوطنين، المحميين من شرطة الاحتلال وعساكره، تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
في كلمة الأردن التي ألقاها أمام القمة، حذّر الملك من أن اللحظة التي نعيشها مفصلية، وأنه ينبغي وضع حد للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، داعيا إلى مراجعة كل أدوات العمل المشترك للمنظومة العربية والإسلامية، لمواجهة خطر الحكومة المتطرفة.
جلالته أشار بوضوح إلى أن العدوان على قطر دليل على أن التهديد الإسرائيلي ليس له حدود، وفي المقابل فإن "الرد يجب أن يكون واضحا، حاسما، ورادعا".
فهل تملك المنظومة مثل هذا الرد الذي يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي في المنطقة، والذي ربما سيوفر علينا الكلف الكبيرة التي يمكن أن تتأتى من الدخول في نزاعات وصراعات تطيح بأمن دول المنطقة، وتبعثر استقرارها.
قُبيل القمة، كتبنا وكتب كثيرون أن اللحظة التاريخية الحاسمة التي نعيشها في أعقاب تجرؤ الكيان على تهديد استقرار قطر وأمنها، تتطلب مواقف واضحة وحاسمة، تبتعد عن الخطاب العاطفي التقليدي، والجُمل الحماسية التي تفتر تدريجيا، والتأسيس لسياسات جديدة في أصول التعامل مع كيان يرى نفسه فوق القانون الدولي، ولا يكترث لأيّ معايير مدنية أو إنسانية تجاه الشعوب الأخرى التي يعتبرها أقل شأنا في معياره الفاسد بتصنيف الإنسان والشعوب.
من الجيد أن البيان الختامي أظهر التضامن المطلق مع قطر، وأدان العدوان بشكل صريح، ودعا إلى خضوع إسرائيل للمساءلة والمحاسبة الدولية، مشددا على رفض محاولات تبرير العدوان والتهديدات المتكررة، والأهم هي الدعوة لاعتماد خطوات عملية تتضمن مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وفرض عقوبات عليها.
بالنسبة للمنظومة العربية والإسلامية، ينبغي أن تكون مثل هذه الخطوات متفقا عليها، وجاهزة للتطبيق، فالتعويل على المجتمع الدولي يمكن أن يكون بمثابة المخدر الخطير الذي يشعرنا بعدم وجود المرض رغم استفحاله في الجسد، فهذا المجتمع وقف عاجزا أمام جرائم الاحتلال في غزة وغيرها، وكما قال جلالته فإن الحكومة الإسرائيلية "تتمادى في هيمنتها لأن المجتمع الدولي سمح لها أن تكون فوق القانون".
اليوم، وبعد انتهاء قمة الدوحة، تواصل تل أبيب سياساتها الخطيرة التي تضع المنطقة على شفا نزاع كبير، وفوضى قاتلة، فتنشر الموت بالمجان، وتتصرف كما لو أنها لا ترى أي وجود للعالمين؛ العربي والإسلامي. فتواصل اقتراف مذبحة غزة تحت أبصار العالم، وتعتدي على سورية ولبنان وتحتل أراضيهما، بينما توزع تحذيرات لليمنيين بإخلاء مناطق معينة تمهيدا لقصفها وتسويتها بالأرض. هذا هو الرد الصهيوني على قرارات القمة، فما هي خطواتنا لكي نردع هذا الوحش؟!