عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2019

“التسامح” في يومه العالمي.. دعوة لتقبل الآخر والنظر بعين الإنسانية

 

تغريد السعايدة
 
عمان-الغد-  النظر للآخر بعين التسامح يجد أثره الكبير داخل القلوب والأرواح، ويمحو آثار الحقد والكراهية، ويزيد من فرص النجاح والاستمرار بالعلاقات الإنسانية. غير أن ثقافة التسامح، تغيب في كثير من الأحيان عن تفاصيل الحياة؛ حينما تستوقف الأشخاص مشاكل وخلافات قد تستمر وتمتد عمرا بأكمله، ما يتنافى مع قيم الإنسانية، والخير والعطاء.
“سامح صاحبك، اعذر أخاك، التمس أعذارا لزملائك”.. عبارات تتردد يومياً، فحواها التسامح والبحث عن المحبة بين الناس، واستحواذ الطاقة الإيجابية للإنسان، بعيداً عن التعصب.
وتتجسد جميع تلك المشاعر في “اليوم العالمي للتسامح”، وجاء هذا اليوم حينما دعت الجمعية العامة، الدول الأعضاء، للاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1996.
وبحسب تقرير الجمعية السنوي، ينبغي القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية والمجتمعات، بناء على مبادرة من المؤتمر العام لليونسكو في التاريخ ذاته؛ حيث اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح.
وتلتزم الأمم المتحدة في تدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب. وتكمن هذه الضرورة في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، خصوصا في هذه الحقبة التي تشهد زيادة التطرف العنيف واتساع الصراعات التي تتميز بتجاهل أساسي للحياة البشرية.
ويغيب لدى الكثيرين أهمية أن يكون للتسامح يوم أو فعالية للاحتفاء به، كباقي المناسبات العالمية، رغم أن تأثير التسامح بشكل عام لا يقتصر على نسبة من الأفراد، بل من شأنه أن يمتد إلى المجتمعات والعالم ككل، ويندرج تحته الكثير من الصفات الإيجابية التي يمكن أن تكون مؤثرة وتحقق التوازن والمساوة وتنبذ التطرف والتعصب.
وفي ذلك، يؤكد الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة أن التربية تلعب دورا أساسيا في تعزيز مفهوم التسامح بين الأفراد منذ مراحل نموهم الأولى، ولها تأثير على المدى البعيد، ويحمل الإنسان هذه الصفة إلى آخر العمر ليكون فيها شخصا متقبلا للآخر، لديه القدرة على التحاور والمسامحة واحتواء المواقف بالمحبة والصفاء.
ناهدة رضوان، تؤكد أنها للمرة الأولى تعلم بأن “للتسامح يوماً يُحتفل به”، وتعتقد أنها مناسبة جميلة يمكن من خلالها أن تفكر للحظات في أهم المواقف في حياتها التي سامحت فيها آخرين، أو من سامحها في مواقف قد قامت بفعلها بقصد أو بدون قصد.
رضوان ترى أن الحياة مليئة بالمواقف على اختلاف درجاتها، وتحتاج إلى طاقة كبيرة للتحمل والصبر، ومسامحة من أساء لنا في بعض الأحيان، فقد تتبدل المواقف من وقت لآخر ونحتاج لمن يسامحنا كذلك، وهذا من شأنه أن يبعث الطمانينة والمحبة بين الناس، وخاصة من المقربين من حولنا من أهل وأصدقاء وأقارب.
وهذا ما تؤكده لينا أحمد، وهي ربة منزل متزوجة، وتقول “إن الكثير من المواقف التي تحدث لنا عادة ما تكون من المحيطين بنا، لذا، فإنهم أقرب الأشخاص لحياتنا وتفاصيلها، وهم أحق أن نسامحهم ونلتمس لهم الأعذار حتى تسير الحياة بتوازن وبدون منغصات”.
وفي الوقت ذاته، تبين لينا أن الإنسان يحتاج الى الكثير من الطاقة والصبر لأن يكون “متسامحا” بالكثير من المواقف التي قد تؤذيه وتبقى عالقة في القلب، ولكن الإيمان القوي بأن العفو عند المقدرة هو صفة عظيمة ومحببة، يمكن أن تكون بوابة التسامح والمودة بين الناس، وتخفف الكثير من التوتر والأمراض، على حد تعبيرها.
ويعتقد النوايسة أن التربية هي الميدان الأول والأساسي الذي تُبنى فيه الصفات وأسس التعامل مع الآخرين، وبالتالي تشكيل سلوكه الذي يحيا به سنوات عمره، وانطلاقه للعالم الخارجي في المدرسة والجامعة وبيئة العمل، وعليه، فإن المعلم يقف بالتساوي مع الأسرة في تعزيز سلوك التسامح لدى الأبناء، وتحقيق العدل والمساواة في المدرسة بالتعامل مع الطلبة.
كما أن التعامل مع بين الأطفال أو الأفراد أنفسهم بطريقة يحتويها “التسامح” كفيل بأن ينمي هذا الطبع لدى أفراد المجتمع، فمن يتلقى معاملة حسنة من قلب متسامح، سيكون بالمقابل فردا متسامحا، يتقبل الرأي والرأي الآخر، لا ينبذ الآخرين لمجرد اختلافهم، وإنما يتعامل بمعهم بطريقة سوية تسودها الألفة، والتماس الأعذار في حال وجود خطأ، وفق النوايسة.
ويلفت النوايسة إلى أهمية مقولة “التمس لأخيك عذراً”، التي تدعو إلى التسامح واختلاق الأعذار بين الناس، وذلك من شأنه أن يعزز التعامل والتربية العميقة بممارساتها المتكاملة في التسامح، وتقبل الآخرين، والتعامل بـ”إنسانية”.
وفي السياق ذاته، تبين الأخصائية النفسية الدكتورة علا اللامي أن التسامح الذي يحدث بين الأشخاص من شأنه أن يخفف من التراكمات السلبية، والتي مع مرور الوقت وزيادة تأثيرها على الإنسان يمكن أن تتحول إلى اضطراب نفسي يوثر على صحة الشخص النفسية وحياته الاجتماعية في الوقت ذاته.
لذا، تشدد اللامي على أن التسامح الذي يصدر تجاه الآخرين لا يكون تأثيره فقط على المقابل إنما على أنفسنا وعلى المتسامحين، فهم بذلك يزيلون الغضب، ما يولد شعورا بالرضا عن الذات والتوازن النفسي، و”كلما سامحنا المحيطن بنا أكثر، زالت آثار المشكلات علينا وتم تجاوزها بسلاسة لتصبح الحياة مع الآخرين سليمة وتنم عن شخصية متوازنة”.
وتدعو اللامي كل إنسان يرغب بحياة سوية هادئة وبنفس خالية من المتاعب والتفكير السلبي والرضا والمشاعر السليمة، لأن يكونوا أشخاصاً متسامحين لديهم مساحة واسعة من التقبل، لما من ذلك من آثار نفسية إيجابية جمة يمكن أن يستشعرها الفرد خلال تعاملاته اليومية.