عمان- الدستور -خالد سامح - «ذاكرة المطر»...عنوان غني بإيحاءاته اختاره الفنان التشكيلي الأردني خالد خريس لمجموعته الجديدة من الأعمال الفنية التي كشف عنها مساء الأربعاء في معرض كبير احتضنه غاليري نبض بجبل عمان، وحضره حشد من الفنانين والنقاد والديبلوماسيين الأجانب وممثلي وسائل الاعلام.
يقدم د. خريس في المعرض لوحات ذات أحجام بصرية مختلفة وبألوان وتقنيات منوعة، يبسط مفردات اللوحة ويجردها فلا تتحدد ملامحها تماما، ويفسرها كل متلقٍ بطريقته، انها لوحات مفتوحة على العديد من التأويلات والأسئلة، فيها ربما أجساد بشرية وحيوانية ونباتات وقطرات مطر وربما بيوت وعناصر لاتفصح عنها ريشة الفنان متيحةً مساحة للتأمل بعمق...بعكس معرضه السابق الذي كان واضحا أن ثيمته الرئيسة هي التحولات التي يعيشها الانسان العربي في ظل ثورات ماعرف بـ»الربيع العربي».
تقلبات الحياة
وهذا المعرض الفردي الثامن عشر للفنان خريس، حيث يشتمل على 52 عملا فنيا، بتقنية الوان الاكريلك على الكانفس والورق، هذا ويستمر المعرض لغاية يوم الخميس 25 نيسان 2019...ويقول الفنان عن معرضه الجديد:
منذ ما يزيد على السنتين، وأنا في مرحلة من التأمل والتروي، لم أشأ أن أمسك بفرشاتي، وكأنني أنتظر شيئاً جديداً، تعودت أن لا أكرر نفسي، فقط هي روحي تسري في أعمالي بين محطة وأخرى، إنها الحياة بتقلباتها وظروفها، فلكل فترة زمنية خصائصها، حيث لا وجود للتكرار. ذاكرتي تسترجع بعض الرموز والاشارات والالوان والأشكال، منها ما يعلق، ومنها ما يمر على طريق الحنين.
ذاكرة المطر تجربة جديدة اجتاحت نفسي، فانهمرت لتطرح سؤالاً لطالما حيرني؛
«من يرسم من؟»، مطر يغسل أرواحنا، مطر خفيف، مطر غزير، مطر يجتاح كل ما هو أمامه، يطرق نافذة روحي، ويدخل أحياناً دون استئذان، هذا ما عشته وأعيشه الآن.
ذاكرة المطر رحلة لا شكلية لفعل شكلي...
رحلة لونية تلوح ولا تصرح...
ويبقى السؤال المُلح....»من يرسم من؟».
في هذا المعرض تسترجع ذاكرة الفنان ما اختزنته من بعض الصور، مبينا ان معرضه «ذاكرة مطر» تجربة جديدة اجتاحت نفسه فانهمرت لتطرح سؤلا طالما حيره وتمثل «بمن يرسم من»، محيلا ذلك السؤال على ما يحمل من دلالات بعبارة «مطر يغسل ارواحنا» وان ذاكرة المطر هي بمثابة رحلة لا شكلية لفعل شكلي.
التفرد بالأسلوب
يقول رئيس رابطة التشكيليين الأردنيين الفنان كمال أبو حلاوة «المعرض يمثل هوية ومسيرة الفنان خريس وهو متفرد في اسلوبه باستخدامه مفردات تعنيه ومجردة ومفعمة بالموسيقا اللونية حتى ولو كانت بالأسود والابيض.
وبين ابو حلاوة ان خريس نحا في لوحات معرضه «ذاكرة المطر» تجاه التجريدية موظفا تقنية تسييل اللون والخدش والطبقات المتتالية وتحمل في طياتها اثرا ارشيفيا لبدايات العمل ويجعل المتلقي البصري المحترف يتتبع اثر حالات الفنان اثناء تنفيذه لعمله الفني.
كما أثنى عدد من الفنانين الذين حضروا المعرض على أعمال الدكتور خريس الجديد وفرادة أسلوبه وعمق مضامين اللوحات، حيث أشار الفنان خيري حرزالله الى أن مايلفت في لوحات خريس بساطة التكوين وعمق الفكرة في آن، مؤكدا على عنصري الشفافية والتجريب في اللوحات.
خالد خريس في سطور
تمتد تجربة الفنان التشكيلي الأردني د. خريس أكثر من ثلاثين عاماً؛ فقد حصل على شهادة الدكتوراة، بمرتبة شرف، في تاريخ الفن من جامعة برشلونة (1993). وتبوأ خريس مناصب في عدد من المؤسسات الأكاديمية والفنية، وكان مديرا لدارة الفنون في عمّان، كما أنه استاذ زائر في جامعة بابلو اولابيدا، اشبيلية، إسبانيا، ومنذ العام 2002 يدير المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وهو الفنان الأردني الوحيد الحاصل على وسام من ملك اسبانيا خوان كارلوس تقديرا لعطائه الفني، وبالاضافة لدراسته في اسبانية تتلمذ د.خريس على يد كبار الفنانين في مصر وايطاليا والمكسيك، وأقام العديد من المعارض في الدول العربية والعواصم الأروربية وفي الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، ما أهله للحصول على جائزة الدولة التقديرية في الأردن وجائزة المعهد الثقافي العربي –الاسباني وغيرها من الجوائز الرفيعة.
وحول تأثره بالفنون الاوروبية حيث عاش هناك فترة من حياته، يقول د. خريس: «لا شك بأن لدراستي للفن في أوروبا والمكسيك وقبلها في مصر أثرا كبيرا علي وعلى فني، فدراستي للفن في اسبانيا، واقامتي فيها أسهمتا في إغناء وإثراء تجربتي الفنية؛ ما جعلني أنظر للفن بمنظار آخر، كون اسبانيا بلدا عريقا في مجال الفنون التشكيلية، فمن رحمها خرج فنانون على مستوى كبير من الأهمية أمثال فلاثيكث وجويا وبيكاسو وميرو ودالي وتابيس وآخرين. وانعكس ذلك على أسلوبي الفني للأشياء، كما عشت في اسبانيا مرحلة التحول الديمقراطي في البلاد الى جانب التفاعل مع الحياة الفنية والثقافية، والتي شهدت وتشهد التغيير والتطور والمزيد من الابداع في أجواء حيوية متفاعلة، كذلك إيطاليا البلد العظيم بفنه، والمكسيك البلد العريق بحضارته الضاربة وفنانيه، وبخاصة فنانو الجداريات أمثال ريفيرا وغيرهم.»