عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Dec-2025

العالم يريد المضي قدما، لكن الفلسطينيين لا يستطيعون

 الغد- ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
افتتاحية - (الغارديان) 20/11/2025
 
يصعب عدم استنتاج أن المصادقة على قرار مجلس الأمن الذي شرعن خطة ترامب كانت بالنسبة لبعض الحكومات تتعلق بتسكين الضمير وتلميع السمعة أكثر مما تتعلق بأفضل مصالح الفلسطينيين. وقد أعلنت ألمانيا مُسبقًا أنها ستستأنف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين، "قد يكون ما بدا حربًا أبدية بصدد التحوُّل إلى بؤس أبدي". وما يزال سكان غزة غارقين بالفيضانات ومتروكين وسط الركام، ولا يجدون أي عزاء في الخطط الأميركية.
 
 
أثار الإعلان عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة في تشرين الأول (أكتوبر) شعورًا أوليًا بالارتياح لدى سكانها. ومع ذلك، قال مسؤولون هناك إن الضربات الإسرائيلية قتلت 33 شخصًا، بينهم 12 طفلًا، يوم الأربعاء، 19 تشرين الثاني (نوفمبر)؛ وقالت إسرائيل إن قواتها تعرضت لإطلاق نار. كما قُتل خمسة فلسطينيين آخرين يوم الخميس. وفي المُجمل، قُتل المئات من سكان القطاع منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار. وحتى لو توقف القصف، فإن تدمير الحياة الفلسطينية سيستمر بينما تواصل إسرائيل خنق وصول المساعدات، وتتكشف تداعيات عامين من الحرب. وقد حذّرت "منظمة الصحة العالمية"، الشهر الماضي، من أن الكارثة الصحية الهائلة التي خلفتها الحرب يمكن أن تستمر لأجيال.
ما يزال الغذاء في القطاع المدمر شحيحًا. وبينما ترتجف العائلات النازحة من البرد في الملاجئ المؤقتة التي غمرتها الفيضانات، ويواجه الكثيرون شتاءهم الثالث بلا مأوى، تقول منظمات الإغاثة إنها لا تستطيع إيصال مخزوناتها من الخيام والأغطية البلاستيكية. وتُنكر إسرائيل أنها تقوم بعرقلة وصول المساعدات، لكنها صنّفت أعمدة الخيام على أنها مواد "مزدوجة الاستخدام" والتي يمكن أن يجري استخدامها لأغراض عسكرية محتملة. وتفيد منظمة "أنقذوا الأطفال" بأن الأطفال في غزة ينامون على الأرض العارية مباشرة بملابس منقوعة بمياه الصرف الصحي.
في الأسبوع الماضي، كشفت صحيفة "الغارديان" عن خطط أميركية لتقسيم طويل الأمد لقطاع غزة إلى "منطقة خضراء" تكون تحت سيطرة إسرائيل والمجتمع الدولي، والتي ستتم إعادة إعمارها، و"منطقة حمراء" سوف تُترك في حالة خراب؛ وقد وصف مسؤول أميركي تحدث إلى الصحيفة إعادة توحيد القطاع بأنها "هدف طموح" ينتمي إلى منطقة التطلعات. وتشبه هذه الرؤية -حيث تقوم القوات الدولية فعليًا بدعم الاحتلال الإسرائيلي، ويتم اجتذاب الفلسطينيين إلى تلك المناطق هربًا من البؤس والفوضى في الأماكن الأخرى- السياسات الكارثية التي انتهجتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
هذا هو الأساس القاتم الكامن خلف قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر الأسبوع الماضي، والذي أقرّ مقترحات السلام التي طرحها دونالد ترامب. وفق هذا القرار، يبدو "مجلس السلام" أشبه بسلطة استعمارية يشرف عليها السيد ترامب، والتي ربما يستند فيها إلى توني بلير. وسيعمل تحت إمرتها تكنوقراط فلسطينيون يكونون بطريقة ما متمتعين بالمصداقية داخليًا ومقبولين -في إنجاز سيكون لافتًا إن حدث- لدى الولايات المتحدة وإسرائيل. وسيكون كل ذلك ممكنًا بواسطة قوة دولية لتحقيق الاستقرار تأمل الولايات المتحدة أن تتمكن من نشرها بحلول كانون الثاني (يناير). وسيكون تجميع هذه القوة ونشرها مسعى صعبًا حتى لو أثبتت الدول كونها راغبة ومستعدة حقًا للالتزام بإرسال قوات.
شهد القرار تحسّنًا مقارنة بمسودة النص في مرحلة التداول عندما كان ما يزال مشروع قرار، ونال دعمًا من العالم العربي -ورفضًا غاضبًا من اليمين الإسرائيلي- بسبب تضمينه إشارات إلى دولة فلسطينية وانسحاب إسرائيلي. ومع ذلك، صيغت تلك الإشارات بأكثر العبارات عمومية، باعتبار تحقيقها مكافأة غير مضمونة على ما سيُعتبر قدرًا كافيًا من حسن السلوك الكافي، وليس باعتباره اعترافًا بالحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف. وإذا سارت كل الأمور وفق الخطة، "فقد تتوفر الشروط أخيرًا للبدء في مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة". ومن جهة أخرى، سوف يستند الانسحاب الإسرائيلي إلى معايير وجداول زمنية توافق عليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها، إلى جانب الولايات المتحدة وجهات أخرى. ولم تدعم الدول التي صادقت على القرار ما يمكن لهذا النص أن يعنيه حقًا، وإنما ما تتصور أنه ربما يعنيه أو قد ينجم عنه.
يعتقد البعض أن هذا هو أفضل ما يمكن إنقاذه من الظروف الحالية في ظل رئاسة السيد ترامب؛ بينما يأمل آخرون أنه من الممكن -ولو بصعوبة- أن تسمح هذه البداية غير الواعدة ولا المبشرة بصياغة شيء أفضل ربما ينتج عنها في المستقبل. لكنّ من الصعب عدم استنتاج أن الأمر بالنسبة لبعض الحكومات يتعلق بتسكين الضمير وتلميع السمعة أكثر مما يتعلق بأفضل مصالح الفلسطينيين. وقد أعلنت ألمانيا مُسبقًا أنها ستستأنف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين، "قد يكون ما بدا في السابق حربًا أبدية بصدد التحوُّل إلى بؤس أبدي"، كما حذر عالم السياسة ناثان براون. ولذلك، على الدول التي كانت متواطئة في حرب إبادة جماعية كل الواجب لأن تكون أكثر التزامًا بالمطالبة بما هو أفضل.
 
*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان: The Guardian view on devastation in Gaza: the world wants to move on, but Palestinians can’t