عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jan-2020

طفرة يهودية - عميره هاس

 

هآرتس
 
العيون تلمع: أموال. مليون آخر وملايين أخرى. الفم يفرز القليل من اللعاب. هيا نخصم أكثر منهم. هذه المرة، لنقل، 149 مليون شيكل، ولا يهم كيف نحسب ذلك. الاساس هو أننا نستطيع. مثلما يمكننا اضعاف اقتصادهم من اجل مواصلة الاعتماد على أموال الصدقات وعلى مزاجنا.
الآن أمام ناظرينا تتم كتابة فرية لاسامية حديثة: يهودي عيونه زرقاء ومنتصب القامة مع غُرة منتصبة وأنف عنيد، يقوم بعد الأموال الحقيقية باصابع افتراضية ويحولها الى جيبه. يقلبون صفحة، طفلة فلسطينية من الخليل لا تحصل على العلاج المطلوب لأن اليهود – هكذا يشرحون في المستشفى الحكومي – قاموا بسرقة الأموال التي تمول الدواء. صفحة اخرى: تعبيد شارع رئيسي في يطا تم تأجيله لنفس السبب. الصفحة التالية: والدين يبلغان أبناءهم بأنهم لا يستطيعون دفع رسوم الفصل القادم في الجامعة لأن راتبهم سيتم تقليصه الى النصف بعد ادخال إسرائيل يدها الطويلة مرة اخرى في صندوق وزارة المالية الفلسطينية.
من أنت، أيتها الدول الأوروبية. هكذا يتحدى صاحب الغُرة الجميلة في حبكة الرواية الجديدة، هل ستقولون لنا بأن هذا يناقض الاتفاقات وبروتوكول باريس؟ إذا قلتم ذلك فنحن سنجيب بأنكم دول لاسامية. واذا اتخذتم خطوة احتجاجية، مهما كانت، مثل دعوة السفراء للتشاور، فنحن سنرد بأن شعوبكم هم احفاد مباشرين للنازيين. وعندها البرلمانات لديكم سترتعد من الخوف، كما يجب، وسيسارعون الى التصويت مع مشاريع قرارات ادانة للفلسطينيين.
هل هذا هو قانون الطبيعة، أن أحفاد أقلية مضطهدة ومطاردة يتحولون الى مضطهِدين وقامعين وسالبين ويحيكون المؤامرات ويطردون ويسرقون، مثلما اصبحت الطفرة اليهودية التي نبتت في فلسطين/ أرض إسرائيل؟ أنا لا أعرف. ولكني أعرف أن قانون الطبيعة يقول بأن أي جماعة مضطهدة ستثور ضد من يضطهدونها. في موجات مع فترة توقف، ومع ارتفاع وهبوط، أفراد وبصورة جماعية، بدافع الأمل أو بدافع اليأس. من الممكن والضروري والحيوي مناقشة مدى حكمة وجدوى وفائدة أو المستوى الاخلاقي والملاءمة مع فلسفة التحرر، نشاطات المقاومة والتحدي التي يتبعها المضطهدون. يمكن اظهار التشكك في إحدى الطرق ومسموح الاشمئزاز من طريقة اخرى، لكن لا يمكن مناقشة جوهر المقاومة والنضال. لأنه أحد المسلمات وأحد قوانين الطبيعة.
إضافة إلى ذلك، لا يوجد أي حق للشركاء الناشطين في السلب والاضطهاد في أن يُصدموا أو يستخفوا بالمقاومة وطبيعتها. ونفس الشيء ينطبق على من بصمتهم وبعدم مبالاتهم وتجاهلهم يتعاونون مع العنف المتواصل. انعدام الاخلاقية والاستخفاف بالعدالة، التي تحولت إلى اساس وجودنا، تصرخ من كل مستوطنة وحاجز في الضفة الغربية، من كل جندي يشرف على معسكر الاعتقال في غزة، من كل جولة لجمعية “تغليت” ومن كل مزرعة منعزلة في النقب.
طفرة يهودية تعمل بكامل القوة من اجل تطبيق برنامج لا يطرح بشكل علني: طرد آخر للفلسطينيين من الضفة الغربية، بشكل جماعي قدر الامكان، شيفرة الخطة تظهر في السياسة الفعلية التي تظهر يوميا في اوامر المصادرة والهدم، وفي احكام القيصر، عفوا، وزير الدفاع، وفي اكاذيب جهاز التعليم ووسائل الإعلام المجندة.
أجهزة الإعلام (الدعاية) ووزارة الشؤون الاستراتيجية وبروح العصر – اجهزة تحري وتشهير سمعة مخصخصة – تقوم بعرض اسرائيل كمضطهدَة والفلسطينيين كمضطهِدين. إسرائيل القوية جدا وذات العلاقات والخطط، تعمل كل ما في استطاعتها ليس فقط في محاولة بائسة لقمع كل رغبة طبيعية في المقاومة، بل ايضا من اجل عرض المقاومة لقمعها كجريمة وكل ناشط كمجرم. إذا قام شخص ما بالكتابة في الفيس بوك أو شارك في مظاهرة أو دعا الى المقاطعة أو توقف عن شراء العجول من اسرائيل، عندها، كما تريد الدولة العظمى التكنولوجية – العسكرية والضحية المضطهدة، لا تقوم فقط بمعاقبة “المجرمين”، بل تقوم بعملية انتقامية جماعية لكل محيطهم. لأنه مسموح للطفرة أن تفعل أي شيء.